الجمعة 21 فبراير 2025
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة 21 فبراير 2025

خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة

خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة .. تتزايد مؤشرات البحث حول خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة، وذلك تزامنًا مع حلول يوم الجمعة غدا 21 فبراير 2025، ويقوم لكم موقع الأيام المصرية خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة خلال السطور التالية: 

خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة 

تأتي خطبة الجمعة غدا 21 فبراير 2025، 22 شعبان 1446هـ للدكتور خالد بدير بعنوان" إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ". 

خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة 

نص خطبة الجمعة القادمة 21 فبراير 2025 

ويأتي نص الخطبة كالآتي:" الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ، أمَّا بعدُ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ

أولًا: الإسلامُ دينُ اليسرِ والرفق.

إنَّ دينَنَا الحنيفَ دينُ اليُسرِ والرفقِ، فهو قائمٌ على اليسرِ وعدمِ المشقةِ أو التشدد فيه، فالتيسيرُ على العبادِ مرادُ اللهِ، والمشقةُ لا يريدُهَا اللهُ لعبادِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.[البقرة: 185]، ومِن يُسرِ الإسلامِ أنَّ اللهَ لم يكلفْ هذهِ الأمةَ إلّا بمَا تستطيع، قالَ تعالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.(البقرة: 286)، ويقولُ ﷺ: ” إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ”. (البيهقي والبزار بسند فيه ضعف).

ولأهميةِ اليسرِ في الشريعةِ الإسلاميةِ عنونَ لهُ الإمامُ البخاريُّ بابًا خاصًّا في صحيحِهِ وسمَّاهُ: ” بابُ قولِ النبيِّ ﷺ: يسرُوا ولا تعسرُوا وكان يحبُّ التخفيفَ واليسرَ على الناسِ .” وساقَ عدةَ وصايَا وشواهدَ وأدلةً ليسرِ النبيِّ ﷺ ورحمتِهِ بأمتهِ منها: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:” مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا؛ فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ.” (البخاري ومسلم واللفظ له).

قال صاحبُ عونِ المعبودِ:” فيهِ استحبابُ الأخذِ بالأيسرِ والأرفقِ ما لم يكنْ حرامًا أو مكروهًا.”

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:

أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ فقَالَ لَهما:

"يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا".(متفق عليه).

وأنتَ ترَى أنَّ النبيَّ ﷺ جمعَ بينَ الشيءِ وضدّهِ تأكيدًا

فإنَّه كان يكفِي قولهُ:" يسِّرا"؛ وإنَّمَا ذكرَ الضدَّ: "ولا تعسّرَا" تأكيدًا للأمرِ.

 يقولُ الإمامُ النوويُّ:" إنَّما جمعَ في هذه الألفاظِ بين الشيءِ وضدهِ؛ لأنَّهُ قد يفعلهُمَا في وقتينِ، فلو اقتصرَ على (يسِّرَا) لصدقَ ذلك على مَن يسَّرَ مرةً أو مرات، وعسّرَ في معظمِ الحالاتِ، فإذا قالَ: ( ولا تعسِّرَا )، انتفَى التعسيرُ في جميعِ الأحوالِ مِن جميعِ وجوهِهِ، وهذا هو المطلوبُ ." أ.ه

وفي مقابلِ التيسيرِ في الدينِ نهَى الشارعُ الحكيمُ عن التشددِ والغلوِّ فيه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ". ( البخاري ومسلم). يقولُ الحافظُ بنُ رجبٍ: "معنى الحديث: النهيُ عن التشديدِ في الدينِ، بأنْ يحمِّلَ الإنسانُ نفسَهُ مِن العبادةِ ما لا يحتملهُ إلّا بكلفةٍ شديدةٍ، وهذا هو المرادُ بقولهِ ﷺ: "لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلّا غلبَهُ ” يعني: أنَّ الدينَ لا يُؤخذُ بالمغالبةِ، فمَن شادَّ الدينَ غلبَهُ وقطعَهُ." أ.ه

العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ

ثانيًا: مظاهرُ وصورُ اليسرِ والرفق في الإسلامِ.

إنَّ الدينَ الإسلاميَّ الحنيفَ دينُ اليسرِ والرفقِ وعدمِ التشددِ في جميعِ المجالاتِ:

ففِي مجالِ العباداتِ عامةً والصلاةِ خاصةً لتكررِهَا في كلِّ يومٍ، نتمثلُ أمرَ الرسولِ ﷺ في التخفيفِ والتيسيرِ، فقد روي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلاَةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ البَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا البَارِحَةَ، فَقَرَأَ البَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ – ثَلاَثًا – اقْرَأْ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَنَحْوَهَا “. (البخاري).

قال الإمامُ ابنُ حجرٍ:" فيهِ استحبابُ تخفيفِ الصلاةِ مراعاةً لحالِ المأمومين". (فتح الباري).

ونحن نعلمُ منزلةَ سيدِنَا معاذٍ رضي اللهُ عنه، وحبَّ الرسولِ ﷺ لهُ

وهو أعلمُ الناسِ بالحلالِ والحرامِ

وكان ﷺ يردفُهُ خلفَهُ على الدابةِ حُبًّا في صحبتِهِ

ومع ذلك عاتبَهُ وعنفَهُ لمَّا أطالَ على الناسِ في الصلاةِ كمَا ذُكِرَ.

وفي مجالِ الصيامِ: كان ﷺ يواصلُ الصيامَ لربِّهِ تعالى، واتبعَهُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم واقتدُوا بهِ في الوصالِ، فنهاهُم رحمةً ورأفةً بهِم وشفقةً عليهم، وتيسيرا لهم في أمر الصيام. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا". ( البخاري ).

ولذلك نهاهُم ﷺ عن صيامِ الدهرِ أبدًا أو قيامِ الليلِ أبدًا أو التبتلِ:

فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".(البخاري).

وهذا عبدُ اللهِ بنُ عمروٍ جعلَ يساومُ النبيَّ ﷺ في الصيامِ والقيامِ، فعنهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:

فَلَا تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام؟ قَالَ: نِصْفَ الدَّهْرِ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ ﷺ”(البخاري).

وهكذا بلغتْ رحمةُ الرسولِ ﷺ بأمتِهِ حدًّا لا يتخيلُهُ عقلٌ

حتى إنَّ الأمرَ وصلَ إلى خوفِهِ عليهِم مِن كثرةِ العبادةِ!! ومع أنَّ التقربَ إلى اللهِ والتبتلَ إليهِ أمرٌ محمودٌ مرغوبٌ، بل هو مأمورٌ بهٍ، لكنَّهُ ﷺ كان يخشَى على أمتِهِ مِن المبالغةِ في الأمرِ فيفتقدُون التوازنَ في حياتِهِم، أو يصلُ بهم الأمرُ إلى المَللِ والكسلِ، أو يصلُ بهم الحدُّ إلى الإرهاقِ الزائدِ عن طاقةِ الإنسانِ، لذلك رأيناهُ كثيرًا ما يُعرِضُ عن عملٍ مِن الأعمالِ، مُقرَّبٍ إلى قلبِهِ، محببٍ إلى نفسِه، لا لشيءٍ إلّا لخوفِهِ أنْ يُفرَضَ على أمتِه فيعنتهُم ويشقّ عليه؛ تقولُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ:

"إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ" [البخاري ومسلم]، ولذلك كان كثيرًا ما يقولُ كلمةً: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي”، دلالةً على أنَّهُ يحبُّ الأمرَ، ولكنَّهُ يخشَى الفتنةَ على الأمةِ، فانظرْ كيف كان لا يخرجُ في كلِّ المعاركِ لكي لا يتحرَّجَ الناسٌ في الخروجِ في كلِّ مرةٍ، وكيف كان لا يؤخرُ صلاةَ العشاءِ إلى منتصفِ الليلِ، وكيف رفضَ الخروجَ إلى قيامِ الليلِ جماعةً في رمضانَ خشيةَ أنْ يُفرَضَ على المسلمين، وكيف تأخرَ في الردِّ على مَن سألَ عن تكرارِ الحجِّ خشيةَ فرضِهِ في كلِّ عامٍ، وهكذا.

تابع / خطبة الجمعة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ

وهذه رسالةٌ لكلِّ متشددٍ في أمورِ دينِهِ أنْ يتأسّىَ بالرسولِ ﷺ في يسرِهِ ورفقِهِ بأمتِهِ

وتركِ التشددِ في الدينِ؛ لأنَّ للتشدّدِ في الدينِ والفهمِ الخاطئِ للنصوصِ الشريعةِ الغراءِ آثارًا وخيمةً وأضرارًا جسيمةً على الفردِ والمجتمعِ: فهُم بجهلِهِم المركبِ بمسائلِ الشريعةِ- ولا سيّمَا المسائلُ الدقيقةُ التي لا يحسنُهَا إلَّا العلماء – يكفِّرونَ مَن شاءُوا ولا يفرقونَ بينَ كفرٍ أصغر أو أكبر، أو كبيرةٍ وصغيرةٍ، ولعلَّ الجهلَ بأحكامِ الشريعةِ مِن أهمِّ صفاتِ الخوارجِ الذينَ كانُوا أولَ مَن تولَّى وزرَ التكفيرِ في هذه الأمةِ، حينَ كفَّرُوا أصحابَ النبيِّ ﷺ، فقد وصفَهُم ﷺ بقولِهِ:

"يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ؛ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ؛ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ". (متفق عليه).

يقولُ الإمامُ القرطبيُّ منددًا بضلالةِ الخوارجِ وتكفيرِهِم الناس:

"ويكفيكَ مِن جهلِهِم وغلوهِم في بدعتِهِم حكمهُم بتكفيرِ مَن شهدَ لهُ رسولُ اللهِ ﷺ بصحةِ إيمانِهِ وبأنَّهُ مِن أهلِ الجنةِ". وهل هناكَ جهلٌ مركبٌ بعدَ هذا الجهلِ؟!!!

ومِن هنَا ندعُوا الجميعَ إلى فهمِ مقاصدِ الشريعةِ الغراءِ

ومراعاةِ التيسيرِ والرفقِ وعدم التشدد في الدين

ونشرِ قيمِ الإسلامِ وأخلاقِهِ وسماحتِهِ

وتطبيقِ ذلك عمليًّا على أرضِ الواقعِ

لنكونَ دعاةً للغيرِ بأفعالِنَا قبلَ أقوالِنَا.

خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة 

العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ برِفْقٍ

ثالثًا: منزلةُ العملِ التطوعِي والحثُّ عليهِ في الإسلامِ.

للعملِ التطوعِي وفعلِ الخيرِ ومساعدةِ الآخرينَ وأصحابِ الحوائجِ منزلةٌ كبيرةٌ في الإسلامِ.

وقد حثّنَا اللهُ عزَّ وجلَّ على العملِ التطوعِي والتعاونِ والتشاركِ في الخيرِ، فقالَ تعالي: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(المائدة:2)، يقولُ الطاهرُ بنُ عاشور: "أي: ليعنْ بعضُكُم بعضًا على البرِّ والتقوى. وفائدةُ التعاونِ تيسيرُ العملِ، وتوفيرُ المصالحِ، وإظهارُ الاتحادِ والتناصرِ، حتى يصبحَ ذلكَ خُلقًا للأمةِ".

وقد ربَّى الرسولُ ﷺ أصحابَهُ على أعمالِ البرِّ والخيرِ والعونِ والمساعدةِ، حتى أصبحَ حقُّ أحدهِم ملكاً للجميعِ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:" بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ." (مسلم)، وعَنْ أَبي هُريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ:

قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"، ( متفق عليه) .

فما أجملَ أنْ يسعَى الإنسانُ في قضاءِ حوائجِ المسلمينَ وتفريجِ كروبِهِم وتقديمِ يدَ العونِ لهُم

فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ

قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ؛ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ؛ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِِ”.(متفق عليه)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (مسلم).

يقولُ الإمامُ النوويُّ: "فيهِ فضلُ قضاءِ حوائجِ المسلمينَ ونفعِهِم بما تيسرَ مِن علمٍ أو مالٍ أو معاونةٍ أو إشارةٍ بمصلحةٍ أو نصيحةٍ وغيرِ ذلكَ، وفضلُ السترِ على المسلمين، وفضلُ إنظارِ المعسرِ" (شرح النووي )، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ". (رواه الطبراني بسند حسن)، والمصرعُ: هو مكانُ الموتِ، فيقِي اللهُ مَن يحسنُ إلى الناسِ بقضاءِ حوائجِهِم مِن الموتِ في مكانٍ سيءٍ أو هيئةٍ سيئةٍ أو ميتةٍ سيئةٍ.

فهذه النصوصُ القرآنيةُ والنبويةُ تجعلُ الناسَ جميعاً يشعرونَ بروحِ الجماعةِ ، فهم كالفردِ الواحدِ وكالجسدِ الواحدِ، وتسعدُ الأعضاءُ كلُّهَا بسعادتِهِ وتحزنُ لحزنِهِ.

فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" (مسلم) .

فعليكُم – ولا سيّمَا ونحن مقبلونَ على شهرِ رمضانَ شهرِ الكرمِ والجودِ – أنْ تكثرُوا مِن الأعمالِ التطوعيةِ الاجتماعيةِ التي تؤدِّي إلى التعاطفِ والتعاونِ والتراحمِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، لتكونَ لكُم نجاةً في الآخرةِ وطريقاً إلى الجنةِ ، فتفوزُوا بسعادةِ العاجلِ والآجلِ !!!

نسألُ اللهَ أنْ يجعلَنَا مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشرِّ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ".

تم نسخ الرابط