خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة 31 يناير 2025
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة .. ارتفعت معدلات البحث عبر محرك جوجل حول خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة، ويأتي موضوع خطبة الجمعة 1 شعبان 1446هـ 31 يناير 2025 بعنوان " الحال أبلغ من المقال" للدكتور خالد بدير، وفي السطور التالية يقدم لكم موقع الأيام المصرية نص خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة.
نص خطبة الجمعة القادمة خالد بدير صوت الدعاة
ويأتي نص خطبة الجمعة القادمة غدا 31 يناير 2025 "الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان: "الحال أبلغ من المقال"، للدكتور خالد بدير
أولًا: حالُ القدوةِ في الدعوةِ إلى اللهِ تعالَى.
إنَّ الدعوةَ إلى اللهِ تعالَى بحالِ القدوةِ والتأسِّي أبلغُ مِن المقالِ والكلامِ، ولقد كانَ رسولُ اللهِ ﷺ خيرَ قدوةٍ للأمةٍ في تطبيقِ هذا الدينِ الحنيفِ، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } (الأحزاب: 21)، وهذهُ الآيةُ الكريمةُ أصلٌ كبيرٌ في التأسِّيِ برسولِ اللهِ ﷺ في أقوالِهِ وأفعالِهِ وأحوالِهِ، ولذلك كان ﷺ خيرَ مثالٍ يُقتدَى بهِ في بيتِهِ ومع أهلِهِ وبناتِهِ ونسائِهِ والناسِ أجمعين.
فقد أرشدَ النبيُّ ﷺ صحابتَهُ إلى أنْ يقتدُوا بهِ في أقوالِهِ وأفعالِهِ، ولا سيّمَا في العباداتِ، فلم يُعِدَّ مجلساً لشرحِ أركانِ الصلاةِ وسننِهَا ومبطلاتِهَا كمَا نفعلُ الآن، وإنّمَا قال: "صلُّوا كما رأيتُمُونِي أصلِّي" ( البخاري)، وفي الحجِّ قال: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ". ( مسلم والنسائي)، ولذلك كان عمرُ رضي اللهُ عنهُ يُقبّلُ الحجرَ الأسودَ ويقولُ: واللهِ إنّي أعلمُ أنّكَ حجرٌ لا تنفعُ ولا تضرُّ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقبلُكَ ما قبلتُكَ !! (متفق عليه).
وفي الصيامِ اقتدُوا بهِ في الوصالِ، فنهاهُم رحمةً ورأفةً بهم وشفقةً عليهم. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا". (البخاري).
ولشدةِ اقتداءِ الصحابةِ به ﷺ اتبعُوهُ في خلعِ نعلِهِ أثناءَ الصلاةِ، مع أنّ هذا الأمرَ خاصٌ بهِ– لعارضٍ- دونَ غيرهِ. فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصَّلاةَ ، قَالَ: ” مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ “، قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رَأَى – يَعْنِي – فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا". ( أبو داود والحاكم والببهقي ). فكُلُّنَا نحفظُ آياتٍ وأحاديثَ في الأخلاقِ!! وكُلُّنَا نسمعُ صورًا مشرقةً مِن أخلاقِ النبيِّ ﷺ وسلفِنَا الصالحِ رضي اللهُ عنهم أجمعين!! ولكن هل طبقنَا ذلكَ عمليًّا؟!!
إنَّ الفعلَ أبلغُ مِن القولِ، وهناكَ حكمةٌ تقولُ: فعلُ رجلٍ في ألفِ رجلٍ خيرٌ مِن قولِ ألفِ رجلٍ لرجلٍ، ومعناهَا: أنَّ الأفعالَ أقوىَ تأثيراً مِن الكلامِ. فلو أنَّ رجلاً فعلَ موقفاً أخلاقياً يدلُّ على الأمانةِ مثلاً سيكونُ أقوىَ بشدةٍ في آلافِ الناسِ مِن ألفِ محاضرةٍ يلقيهَا إنسانٌ عن الأمانةِ. وما أجملَ قولَ أحدِهِم: "لا تحدثنِي عن الدينِ كثيرًا، ولكن دعنِي أرَى الدينَ في سلوكِكَ وأخلاقِكَ وتعاملاتِكَ".
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : الحال أبلغ من المقال ، للدكتور خالد بدير
ثانيًا: حالُ الرسولِ ﷺ في شعبانَ.
نحن نعلمُ جميعاً أنَّ الرسولَ ﷺ كان يجتهدُ في شعبانَ ويخصُّهُ بأعمالٍ دونَ غيرِهِ مِن الشهورِ، ومِن أهمِّ هذه الأعمالِ اختصاصُ شهرِ شعبانَ بالصيامِ، مِمّا أثارَ انتباهَ الصحابةِ إلى ذلكَ، فعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" (أحمد والنسائي بسند حسن)، فكانَ ﷺ يصومُ مِن شعبانَ ما لا يصومُ مِن غيرِهِ مِن الشهورِ، بل إنَّ بعضَ الرواياتِ صرحت بصيامِهِ كلِّهِ.
ففي الصحيحينِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ"، وزاد البخاري في رواية: "كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ"، فشعبانُ وقعَ بينَ شهرينِ عظيمينِ رجبٍ ورمضانَ، فرجبُ مِن الأشهرِ الحُرمِ، ورمضانُ خيرِ الشهورِ على الإطلاقِ، والسؤالُ الذي يطرحُ نفسهُ هنَا، ما الحكمةُ مِن تخصيصِ الرسولِ ﷺ لشهرِ شعبانَ بالصيامِ ؟!!
والجوابُ عن ذلكَ يتلخصُ في أربعِ حكمٍ كما يلي:
- الحكمةُ الأولى: غفلةُ الناسِ.
فكثيرٌ منَّا يهتمُّ بشهرِ رجبٍ ورمضانَ لفضلهِمَا، ويغفلُ عن شعبانَ ويعتبرهُ راحةً وهدنةً، فقد بيَّنَ النبيُّ الأمينُ ﷺ أنَّ شهرَ شعبانَ شهرٌ يَغفلُ عنهُ الناسُ، "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ"، فقولُ النبيِّ ﷺ ذلكَ يشيرُ إلى أنّهُ لما اكتنفهُ شهرانِ عظيمانِ الشهرُ الحرامُ وشهرُ الصيامِ اشتغلَ الناسُ بهمَا عنهُ فصارَ مغفولًا عنهُ، والكيسُ مِن الناسِ الذي يغتنمُ غفلتَهُم، فيفوزَ بالقبولِ عندَ مولاهُ اقتداءً بنبيِّهِ ومصطفاه.
- الحكمةُ الثانيةُ: ترفعُ فيهِ الأعمالُ إلى اللهِ.
ففي حديثِ سيدِنَا أسامةَ "وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
فالنبيُّ ﷺ يحرصُ وقتَ رفعِ العملِ أنْ يكونَ في أحسنِ حالٍ مع اللهِ، إذ تأتِي الملائكةُ فتجدهُ صائماً قائماً، فإذا كان الواحدُ منَّا يستحِى أنْ يراهُ ولىُّ أمرِهِ أو رئيسُهُ أو مديرُهُ وهو على معصيةٍ أو في وضعٍ غيرِ لائقٍ، فمِن بابِ أولَى أنْ يكونَ في أتقَى وأنقَى وأصفَى حالٍ مع اللهِ، ولا سيّمَا حينَ رفعِ التقريرِ السريِ السنويِ إليهِ سبحانَهُ وتعالى، لذلك كان النبيُّ يحرصُ على صيامِهِ لأنَّ عملَهُ يرفعُ فيهِ إلى اللهِ، ورفعُ الأعمالِ إلى اللهِ تعالَى مع كونِهِ صائماً أدعَى إلى القبولِ عندَ اللهِ تعالى، وإذا كان النبيُّ يحرصُ على ذلكَ وقد غُفِرَ لهُ ما تقدّمَ من ذنبِهِ وما تأخرَ، فحريٌّ بنَا – ونحن
أكلتنَا الذنوبُ – أنْ نتأسَّى بنبيِّنَا ﷺ بالمسارعةِ إلى ذلكَ وأنْ نكونَ على أتقَى قلبِ رجلٍ واحدٍ!!!
- الحكمةُ الثالثةُ: أنَّ شهرَ شعبانَ مقدمةٌ وتمرينٌ وتمهيدٌ لرمضانَ.
فصيامُ شعبانَ كالتمرينِ على صيامِ رمضانَ لئلّا يدخلُ في صومِ رمضانَ على مشقةٍ وكلفةٍ، بل قد تمرّنَ على الصيامِ واعتادَهُ ووجدَ بصيامِ شعبانَ قبلَهُ حلاوةَ الصيامِ ولذتَهُ فيدخلُ في صيامِ رمضانَ بقوةٍ ونشاطٍ، ولذلكَ نزلَ القرآنُ والأوامرُ والنواهِي تدريجياً حتى لا توجدُ على الناسِ مشقةٌ، قالَ تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32)، وعن عَائِشَةَ قَالَت: ”إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا ، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا”( البخاري)، ولذلك فإنَّ الشخصَ الذي لم يصمْ ولا يوماً مِن رمضانَ حتى رمضانَ الثانِي، فإنَّ خبرَ رؤيةِ هلالِ رمضانَ يكونُ عليهِ كالصاعقةِ، وكأنَّهُ كُلِّفَ بنقلِ جبلٍ وما هو بناقلِهِ، ولننزلْ إلى أرضِ الوقعِ قليلاً لنضربْ لكُم مثالاً ثمَّ نعودُ إليكُم: لو أنَّ أحدَكُم لديهِ ماكينةٌ أو آلةٌ واحتاجت إلى صيانةٍ كاملةٍ وأوصاهُ المهندسُ أنْ يشغلَهَا تدريجياً ( يعنِى: عمليةُ تليينٍ ) ثم شغلَهَا عشرَ ساعاتٍ متتالياتٍ فإنّهَا ستكسرُ فوراً، فكذلكَ حالُ الصيامِ لابُدَّ فيهِ مِن التدرجِ والتمرينِ، ولمَّا كان شعبانُ كالمقدمةِ لرمضانَ شرعَ فيهِ ما يُشرعُ في رمضانَ مِن الصيامِ وقراءةِ القرآنِ ليحصلَ التأهبُ لتلقِّي رمضانَ وترتاضَ النفوسُ بذلكَ على طاعةِ الرحمنِ.
- الحكمةُ الرابعةُ: أنَّ شهرَ شعبانَ كسُنَّةٍ قبليةٍ لرمضانَ.
إنَّ شهرَ شعبانَ سنةٌ قبليةٌ ونافلةٌ لرمضانَ، كما أنَّ الستةَ أيامٍ مِن شوالٍ سنةٌ بعديةٌ، فصيامُ شعبانَ أفضلُ مِن صيامِ الأشهرِ الحرمِ، وأفضلُ التطوعِ – كما قالَ العلماءُ- ما كان قريباً مِن رمضانَ قبلَهُ وبعدَهُ، وتكونُ منزلتُهُ مِن الصيامِ بمنزلةِ السننِ الرواتبِ مع الفرائضِ قبلهَا وبعدهَا، وهي تكملةٌ لنقصِ الفرائضِ، وكذلكَ صيامُ ما قبلَ رمضانَ وبعدهُ، فكما أنَّ السننَ الرواتبَ أفضلُ مِن التطوعِ المطلقِ بالصلاةِ، فكذلكَ يكونُ صيامُ ما قبلَ رمضانَ وبعدَهُ أفضلَ مِن صيامِ ما بَعُدَ عنهُ، ولما كان صومُ رمضانَ لا بُدَّ أنْ يقعَ فيهِ تقصيرٌ وتفريطٌ، وهضمٌ مِن حقّهِ وواجبِهِ ندبَ إلى صومِ شعبانَ وستةِ أيامٍ مِن شوالٍ جابرةً لهُ، ومسددةً لخللِ الذي يقعُ فيهِ، فجرَى صيامُ هذه الأيامِ مجرَى سننِ الصلواتِ التي قبلَهَا وبعدَهَا جابرةً ومكملةً، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ” إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ”(الترمذي).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان: الحال أبلغ من المقال، للدكتور خالد بدير
ثالثًا: حالُنَا في شهرِ شعبانَ.
يجبُ علينَا أنْ نغيرَ حالَنَا في هذا الشهرِ الكريمِ، وأنْ نقتديَ برسولِنَا ﷺ في أقوالِهِ وأفعالِهِ، وأنْ نكثرَ مِن الصيامِ والذكرِ وقراءةِ القرآنِ ولا سيَّمَا حالُ غفلةِ الناسِ، فأفضلُ العبادةِ عندَ غفلةِ الناسِ، لذلكَ أخَّرَ النبيُّ ﷺ العشاءَ إلى ثلثِ الليلِ ليبيّنَ للصحابةِ الكرامِ فضلَ الطاعةِ عندَ غفلةِ الناسِ، فقالَ ﷺ كما عندَ البخارِي: ”ما ينتظرُهَا- يعنى العشاء- أحدٌ مِن أهلِ الأرضِ غيركّم”، وكأنّهُ ﷺ يقولّ لصحابتِهِ: هذه الصلاةُ التي تُصلُّونَ إنّمَا أنتم الذين تصلونَهَا في الدنيا كلهَا، حالَ غفلةِ الناسِ عن اللهِ تعالى، ففي هذا الشهرِ الذي يغفلُ فيهِ الناسُ، عليكَ أخي الكريم أنْ تكونَ أنت المقبلُ حالَ فرارِ الناسِ، والمتصدقُ حالَ بخلِهِم وإحجامِهِم وحرصِهِم…، والصائمُ حينَ فطرِهِم، والقائمُ حالَ نومِهِم وغفلتِهِم…والذاكرُ للهِ تعالَى حينَ إعراضِهِم، فإنَّ هذا سببٌ لمحبةِ اللهِ تعالى لك، إذ كلُّهُم في غفلةٍ عن اللهِ وأنت مع اللهِ.
فهؤلاء هم السابقونَ الذينَ قالَ الرسولُ ﷺ فيهم: (سبَقَ المُفرِّدونَ سبَقَ المُفرِّدونَ ) قالوا : يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ ؟ قال : ( الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ ). ( رواه مسلم) قال المناويُّ رحمَهُ اللهُ: “المفردونَ: أي المنفردونَ المعتزلونَ عن الناسِ، مَن فردَ إذا اعتزلَ وتخلَّى للعبادةِ، فكأنّهُ أفردَ نفسَهُ بالتبتلِ إلى اللهِ تعالَى.”(فيض القدير). فهؤلاءِ لمَّا ذكرُوا اللهَ وقد غفلَ غيرُهُم كان السبقُ لهُم، وفيهِ دلالةٌ ظاهرةٌ على فضيلةِ العملِ في وقتِ غفلةِ الناسِ لأنّهُ أشقُّ على النفوسِ، وأفضلُ الأعمالِ أشقّهَا على النفوسِ، ولاشكَّ أنَّ النفوسَ تتأسَّى بمَا تشاهدُهُ مِن أحوالِ أبناءِ الجنسِ، فإذَا كثرت يقظةُ الناسِ وطاعاتهُم، كثرَ أهلُ الطاعةِ لكثرةِ المقتدينَ لهُم، فسهلت الطاعاتُ، أمَّا إذا لم يكنْ ثَمَّ معينٌ صعبت الطاعةُ على النفسِ وصارَ أجرُهَا أعظمُ، وفيهِ دليلٌ على استحبابِ عمارةِ أوقاتِ غفلةِ الناسِ بالطاعةِ، وفي هذا إشارةٌ إلى فضيلةِ التفردِ بذكرِ اللهِ في وقتٍ مِن الأوقاتِ لا يوجدُ فيهِ ذاكرٌ لهُ، ولهذا وردَ في فضلِ الذكرِ في الأسواقِ ما وردَ مِن الحديثِ المرفوعِ والآثارِ الموقوفةِ حتى قالَ أبو صالح: إنَّ اللهَ ليضحكُ مِمّن يذكرهُ في السوقِ، وسببُ ذلكَ أنّهُ ذكرَ في موطنِ الغفلةِ بينَ أهلِ الغفلةِ.
لذلكَ كان السلفُ الصالحُ رضي اللهُ عنهُم يغتنمونَ هذه الغفلةَ في الطاعةِ، فعن أنسٍ قال: كان المسلمونَ إذا دخلَ شعبانُ انكبُّوا على المصاحفِ فقرءوهَا وأخرجُوا زكاةَ أموالِهِم تقويةً للضعيفِ والمسكينِ على صيامِ رمضانَ، وقال سلمةُ بنُ كهيلٍ كان يُقالُ: شهرُ شعبانَ شهرُ القراءِ، وكان حبيبُ بنُ أبي ثابتٍ إذا دخلَ شعبانُ قال: هذا شهرُ القراءِ ، وكان عمرُو بنُ قيسٍ إذا دخلَ شعبانُ أغلقَ حانوتَهُ وتفرغَ لقراءةِ القرآنِ.
ألَا فلنسارعْ إلى اللهِ، ونجدْ ونجتهدْ، فمَن جدَّ وجدَ، ومَن زرعَ حصدَ، كما قالَ أبو بكرٍ البلخِي: شهرُ رجبٍ شهرُ الزرعِ، وشهرُ شعبانَ شهرُ سقيِ الزرعِ، وشهرُ رمضانَ شهرُ حصادِ الزرعِ، فمَن لم يزرعْ ويغرسْ في رجبٍ، ولم يسقِ في شعبانَ فكيفَ يريدُ أنْ يحصدَ في رمضانَ؟! وها قد مضَى رجبٌ فما أنت فاعلٌ في شعبانَ ؟!!
مضى رجبٌ وما أحسنتَ فيهِ …….وهذا شهرُ شعبــانَ المبارَك
فيا مَن ضيعَ الأوقاتِ جـهلاً ….. بحرمتِهَا أفقْ واحـذرْ بوارَك
فسوف تفارقُ اللذاتِ قـسراً ……… ويخلي الموتُ كرهاً منكَ دارَك
تدارَكْ ما استطعتَ مِن الخطايا ……… بتوبةِ مخلصٍ واجعـلْ مدارَك
على طلبِ السلامةِ مِن جحيمٍ …………….. فخيرُ ذوي الجرائمِ مَن تدارَك
نسألُ اللهَ أنْ يباركَ لنَا في شعبانَ وأنْ يبلغَنَا رمضانَ، وأنْ يحفظَ مصرَنِا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ".