ناقوس الفتاوى الشاذة يهدد قيم المجتمع.. وعلماء يحذرون من استخدامها لنشر أفكار الجماعات المتشددة| خاص

مشروع قانون تنظيم الفتوى.. تعد الفتوى من أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق المؤسسات الدينية، سواء دار الإفتاء المصرية أو الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف، فهي ليست مجرد رأي فردي أو اجتهاد عابر، وإنما مسؤولية عظيمة تبنى على أسس علمية دقيقة، وتتطلب تأهيلًا شرعيًا عميقًا.
ومع التطورات المشهودة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والتكنولوجيا الرقمية، باتت الفتاوى أكثر انتشارًا، وأدت هذه التطورات إلى فتح الباب على مصراعيه لنشر الفتاوى الشاذة من قبل من هم ليسوا أهلًا للفتوى.

موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون تنظيم الفتوى
ومن هذا المنطلق، وافق مجلس الوزراء، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، على مشروع قانون تنظيم الفتوى، الذي يهدف إلى إصدار الفتاوى الشرعية، وتحديد الجهات المختصة بإصدارها.
ووفقًا للمشروع، ستكون هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، هما الجهتان المسؤولتان عن إصدار الفتاوى الشرعية العامة المتعلقة بالقضايا المجتمعية.
أما الفتاوى المتعلقة بالأفراد، ستكون من اختصاص هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث الإسلامية، دار الإفتاء المصرية، ولجان الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف.
معايير وضوابط الفتوى الجديدة.. مسؤولية شرعية وأمانة علمية
وفي ذات الصدد، قال الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن الفتوى ليست رأيًا شخصيًا يمكن لأي فرد الإدلاء به وفق اجتهاده الخاص، بل هي مسؤولية علمية وأمانة شرعية تتطلب التخصص الدقيق والعلم العميق، نظرًا لتأثيرها المباشر على حياة الناس واستقرار المجتمعات.
وأضاف في تصريح خاص لموقع "الأيام المصرية"، أن الفتوى ترتبط بأحكام الدين وتؤثر في العبادات والمعاملات، وقد يمتد أثرها ليشمل قضايا مجتمعية كبرى تتعلق بالعلاقات بين الأفراد والدول.
ونوه أن الفتوى الصحيحة يجب أن تصدر وفق معايير علمية دقيقة تضمن صحتها واتساقها مع روح الشريعة الإسلامية، ومن أهم هذه المعايير: مراعاة النصوص الشرعية الصحيحة من القرآن الكريم والسنة النبوية، والرجوع إلى التراث الفقهي المعتبر، مع النظر في الاجتهادات السابقة التي أسهمت في تطوير الفقه الإسلامي على مدار العصور.
وتابع، كما أن الفتوى لا بد أن تضع في الاعتبار مقاصد الشريعة الإسلامية التي تقوم على تحقيق العدل والمصلحة ورفع الحرج عن الناس، فلا تكون الفتوى سببًا في تعسير حياتهم أو إدخالهم في مشقة غير مبررة.
وشدد على أهمية الاجتهاد الجماعي في القضايا الكبرى التي تحتاج إلى دراسة معمقة، حيث لا يجوز أن ينفرد شخص واحد بإصدار حكم في مسائل معقدة تمس الأمن الفكري أو الاجتماعي، بل يجب أن تكون الفتوى ناتجة عن تشاور بين أهل العلم المتخصصين في المؤسسات الدينية الكبرى، لضمان خروجها في إطار منضبط ومتزن.
وأكد أن الفتوى يجب أن تكون بعيدة عن التشدد غير المبرر أو التسيّب والانفلات من الضوابط الشرعية، وأن تراعي تغيرات العصر والتطورات المجتمعية، بحيث تكون وسيلة لحل المشكلات وليس لتعقيدها، لافتًا إلى أنه لا بد من التأني والتدقيق قبل إصدار الفتاوى، مع ضرورة التفريق بين الفتوى الشرعية التي تستند إلى الأحكام الدينية، والرأي الشخصي الذي يعبر عن اجتهاد فردي قد يفتقد إلى الدقة.

الفتاوى الشاذة.. خطر يهدد استقرار المجتمعات
وفي حديثه عن الفتاوى الشاذة، أوضح الدكتور إبراهيم نجم أن انتشار هذا النوع من الفتاوى يمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار المجتمعات؛ لأنها تؤدي إلى تضليل الناس عن صحيح الدين، وتسبب فوضى فكرية تؤثر على الأمن المجتمعي.
ويرى أن أخطر ما في الفتاوى الشاذة أنها تفتح الباب أمام التطرف والغلو، حيث تستخدمها بعض الجماعات المتشددة كوسيلة لنشر أفكارها المتطرفة وتبرير ممارساتها العنيفة.
وذكر أن الفتاوى الشاذة ليست مجرد أخطاء علمية، بل هي ظاهرة لها تداعيات خطيرة، إذ إنها قد تؤدي إلى تشويه صورة الإسلام نفسه أمام العالم، خاصة عندما تصدر فتاوى تتعارض مع القيم الإنسانية العامة، أو تتسبب في تأجيج الفتن الطائفية والمذهبية، أو تحرض على العنف والكراهية.
ويرى أن الحل لمواجهة هذه الظاهرة يكمن في تفعيل دور المؤسسات الدينية الرسمية في تصحيح المفاهيم المغلوطة، وتوعية الناس بضرورة الرجوع إلى العلماء المتخصصين عند البحث عن الفتوى، مع وضع قوانين رادعة تمنع غير المؤهلين من تصدّر المشهد الديني والتحدث باسم الشريعة الإسلامية.
الفتاوى عبر الإنترنت.. فوضى مفتوحة بلا ضوابط
وحول خطورة انتشار الفتاوى عبر الإنترنت، بيّن الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن العالم الرقمي أتاح الفرصة لأي شخص، بغض النظر عن مؤهلاته العلمية، أن يدلي برأيه في الأحكام الشرعية، مما تسبب في حالة من الفوضى الفقهية.
وأشار إلى أن بعض الأشخاص يستغلون هذه المساحة المفتوحة لنشر أفكار متطرفة، أو تقديم فتاوى غير دقيقة تفتقر إلى التأصيل العلمي، مما يجعل الناس عرضة للوقوع في التباس ديني خطير.
وأكد أن أخطر ما في الفتاوى الأونلاين هو صعوبة التحقق من مصدرها، حيث يعتمد كثير من الأشخاص على مواقع غير موثوقة، أو يأخذون الفتاوى من شخصيات مجهولة لا تمتلك أي مؤهلات علمية، متابعًا أن بعض الفتاوى المنتشرة عبر الإنترنت قد تكون متناقضة، مما يسبب ارتباكًا في أذهان الناس، خاصة عند التعامل مع قضايا معقدة تحتاج إلى تفصيل وتوضيح.
وشدد على ضرورة تعزيز الدور الرسمي للمؤسسات الدينية في تقديم الفتوى عبر المنصات الإلكترونية المعتمدة، وإطلاق حملات توعوية تحذر من مخاطر الاعتماد على الفتاوى العشوائية التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.
القانون الجديد لتنظيم الفتوى.. خطوة لضبط الخطاب الديني
وفيما يخص القانون الجديد لتنظيم الفتوى، كشف نجم أنه يمثل خطوة مهمة في طريق ضبط المشهد الديني، حيث يحدد الجهات المخوّلة بإصدار الفتاوى العامة والخاصة، ويضع آليات واضحة لمنع غير المتخصصين من التحدث في أمور الدين.
ولفت إلى أن مشروع القانون ينص على أن الفتوى العامة التي تتعلق بقضايا المجتمع يجب أن تصدر فقط عن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، في حين تتولى لجان الفتوى بوزارة الأوقاف ومجمع البحوث الإسلامية إصدار الفتاوى الخاصة التي ترتبط بالأفراد.
وواصل، كما يلزم القانون وسائل الإعلام بعدم نشر أي فتوى إلا إذا كانت صادرة عن الجهات الرسمية المعتمدة، ويضع عقوبات رادعة لكل من يخالف هذه القواعد، لضمان عدم السماح لغير المؤهلين بالتحدث باسم الدين.
كيف نتصدى لغير المؤهلين في وسائل الإعلام؟
نوه الأمين العام أن وسائل الإعلام تتحمل مسؤولية كبيرة في ضبط المشهد الديني، حيث يجب عليها الالتزام بعدم استضافة أشخاص غير متخصصين للحديث في الفتوى، والاعتماد فقط على العلماء المعتمدين من الجهات الرسمية.
كما يرى أنه من الضروري اتخاذ الإجراءات القانونية الحازمة ضد كل من يتصدر للفتوى دون مؤهل علمي، سواء عبر الفضائيات أو وسائل التواصل الاجتماعي، مع ضرورة إطلاق حملات توعوية لتوضيح خطورة هذه الظاهرة وأثرها على المجتمع.
دور التوعية في تعزيز المرجعية الدينية الصحيحة
واختتم نجم حديثه بالتأكيد على أن توعية المواطنين بالمصادر الرسمية للفتوى هو الحل الأمثل لمواجهة الفوضى الدينية، مشيرًا إلى أهمية تكثيف الجهود من خلال المناهج التعليمية، وخطب الجمعة، والبرامج الإعلامية، لتوضيح أهمية الرجوع إلى الجهات المعتمدة عند البحث عن الفتوى.
واستكمل، أن المؤسسات الدينية يمكنها الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تقديم الفتاوى عبر تطبيقات إلكترونية رسمية، لضمان وصول الفتوى الصحيحة إلى الناس بسهولة، مع العمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروجها بعض التيارات المتشددة.