آخر ورش سبك وتسيح النحاس بالمعز.. الحاج محمد أشهر صانع قطع الحلي
يتراقص لون قطع حلي النحاس بلونها الذي يشع من بريق الشمس أسفل أشعة الغروب التي تلقي بسهامها على شارع المعز من الغورية وحتى باب الفتوح، تستقبلك حوانيت بائعي التحف والتذكارات البسيطة وأطقم الحلي بشتى أشكالها وأنواعها من على بعد وتنتقل بك بين ضفتي الشارع الذي يشق قلب القاهرة الفاطمية القديمة.
مع كل منحنى وزخرفة، يكمن سحر التاريخ وروعة الفن الذي يمر عبر الأجيال في قطع الحلي المصنوعة من النحاس، والتي تحمل في تفاصيلها حكايات من زمن بعيد، وتروي قصة الحرفيين الذين طوعوا هذا المعدن الصلد إلى جمال خالد.
في إحدى الدهاليز دروب شارع المعز، تقوم بناية "الحسيني" على طابقين، معقل ماتبقى من ورش الحرفيين في المعز، يقف الحاج "محمد" خلف موقد ضخم لـ "تلين" بعض شرائح النحاس الخام قبل أن يعيديها من جديد إلى فكي الماكينة "التجليخ"، التي تحدد العرض الملائم للقطعة.
يغوص في ذكريات الماضي و"طلبياته" من قطع الذهب والفضة التي كانت تعمر بها الورشة قبل عقود، والتي أحالها ارتفاع أسعار الذهب إلى النحاس بمرور الأيام، يعمد الحاج “محمد” على تلقي طلبات سبك وتشكيل الحلي النحاسية من تجار المعز والغورية وخان الخليلي بين قلة من طلبيات الفضة التي لاتزال تصارع للبقاء وسط لطمات موجات الغلاء المتعاقبة
يستقبل الحاج محمد بمعاونة يده اليمنى وتلميذه "دسوقي" النحاس في شكائر من القطع القديمة والمستهلكة والخردة المصنعة من الخام الأصلي قبل أن يذيبها ثم يحولها إلى شرائح من النحاس القابلة للتشكيل، والتي تتحول بمزيج من حنكة الحاج محمد الفنية إلى أشكال بديعة من السبائك والقلائد والأساور وحتى الخواتم والأقراط بمختلف أشكالها.
باع طويل من الخبرة التي أصقلت أنامل الحاج محمد وهذبت ملكته الفنية حتى أضحى يضع بصماته الخاصة على القطع ويتفرد بتعديلاته عليها، والتي ماتلبث إلا أن تستحوذ على دهشة الزبون ويقع أسير روعة ما صنعته أيدي الحاج محمد.
وسط تقلبات الحال وعلى عجلة الأيام يتبدل الإقبال من تجار الحلي على ورش تصنيع النحاس، فالكيلو الذي كان لايتجاوز الـ 50 جنيه، وصل سعره إلى 600 جنيه، والفضة التي كانت الخام منها لايتجاوز الـ 1500 جنيه، ناهزت الـ 50 ألف جنيه، فتبدل الحال وانخفض الإنتاج، وبعد أن كانت الماكينات تدير مايعادل النصف طن في الأسبوع أصبح يمر بين فكيها ما لايزيد عن 10 كيلو بشق الأنفس.