صناعة الزجاج اليدوي بالنفخ.. أسرار فن يأسر العيون بـ خان الخليلي

صناعة الزجاج اليدوي بالنفخ.. من المهن القاطنة في قلب القاهرة العتيقة، حيث تلتقي أزقة مدينة المعز وقلبها النابض بعبق الماضي الذي يتسلل بين حي الحسين يقبع "خان الخليلي"، أرشيف حي يروي حكايات الزمن الغابر بلغة الفسيفساء، وعبقٌ يشبع الأنفاس بجماله الفريد الذي يتنقل من جيل إلى جيل في الخان، يتحول كل حجر وكل ركن إلى ذاكرة حية تُعيد اكتشاف الذات في كل زائر، وتجسد عبق الماضي في كل زاوية، وخلال السطور التالية يستعرض موقع "الأيام المصرية" أهم المعلومات حول صناعة الزجاج اليدوي:
صناعة الزجاج اليدوي

يستقبلك عبير البخور المستكي من على بعد، يصطحبك عبر حارات الخان الأثرية أقبيته المتداعية بعيدًا عن صخب المدينة إلى وداعة رحابه العتيق، يفتح "خان الخليلي" ذراعيه مرحبًا بالزائرين، تحتضنك نفحات الأجواء العطرة، بين أضواء واجهات المحال المتلألئة، وتصافحك جدران المباني ومداخل الأزقة.

قهوة نجيب محفوظ درة خان الخليلي
لوحة عتيقة تحمل حروفًا لم ينل منها غبار السنين، "قهوة نجيب محفوظ" أضفى إليها زوارها من المثقفين والكتاب هيبة وصيتًا مدويًا، ومن أمام أركان منزوية ظلت شاهدة على رواد رحلوا، ولم يستطع الثرى محو آثارهم، يفتح "دكان الداعور" أبوابه لعشاق الزجاج النفخ بشتى أشكاله وألوانه.

رحلة فن صناعة الزجاج اليدوي
يخوض "حسام" رحلة سحرية لإعادة الزجاجات القديمة بعد تنظيفها وترتيبها إلى قنانِ وأباريق وزهريات ملونة وحتى زجاجات العطور، يتوحد خلالها مع الزجاج بعد صهره في درجات حرارة عالية، وكعازف البوق الماهر يحمل حسام أنبوبه المعدني الذي يحوي مادة الزجاج المذابة ليشرع في وصلة عزف على أوتار الجمال.

مهنة أرتوت بها أوردة حسام، الشاب الثلاثيني صاحب دكان "الداعور" ورافقته طوال الصبا، بينما يصاحب والده في زيارات متكررة إلى دكانه بخان الخليلي، قبل أن يشب عن الطوق ويقرر والده جلبه معه إلى ورشة صناعة الزجاج بشارع الحسينية في حي باب الشعرية.
يتصاعد وهج النيران من فرن بلدي تبلغ درجة حرارته 1000 درجة مئوية، يجثم اللهب على الأنفاس، ويلوح الوجوه ورغم ركود الهواء بالمكان يجلس عم "علي" إلى فرنه يرمقه كل حين في انتظار لحظة مواتية تنصهر فيها قنينة الزجاج القديمة وتعود إلى صورتها الأولى ليحملها بعضًا منها بعصاه ويمده بملئ رئتيه من الهواء قبل أن يصقل القطعة بـ "البولين"، ويهذب ثناياها بـ "المربع والماشة".

سيمفونية من التعاون يقودها حسام يرافقه فيها عم علي، وابنه رضا، أحدث فنان في مهنة نفخ الزجاج اليدوي، استطاع "الحاج سيد" والد حسام أن يرسي باعه الطويل في المهنة بتمريره إلى الأجيال الجديدة، معتمدًا على دستوره الصارم بالاستعانة بالمواد الطبيعية في تصنيع الزجاج وحتى تلوينه والاعتماد على الخامات المصرية فقط لدعم الصناعة المحلية.
نيران الأسعار تلتهم صناعة الزجاج اليدوي

رغم قدرة الزجاج اليدوي على التحمل، استطاعت نيران الأسعار أن تسحب البساط من أسفله وتمنح اليد العليا بالسوق للزجاج المستورد والمرشوش الخالي من الحياة والفاقد للفن والجماليات، دون نقوشات تزجية أو ألوان تدب فيه الحياة، ووسط لطمات موجات ارتفاع أسعار الخامات المتتالية يحاول حسام أن يرسو بسفينة الزجاج اليدوي في ميناء مستقر، بالتنقيب بين التجار عن أفضل الأسعار وتمصير صناعته حتى النخاع.