بيكمل مسيرة الأجداد.. العم رشوان أقدم صانع للغربال التقليدي في المعز| فيديو
الغربال أو المنخل .. في رقعة يزيد قطرها عن 30 سم، تجتمع آيات جمال الطبيعة وروعة أنامل حرفيين مهرة إلى أداة سحرية يمكنها أن تميز الخبيث من الطيب باهتزازات بسيطة.
يفتح أحد الدروب العتيقة مصرعيه على شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يشق طريقًا من جمال البنيان وإبداع بكورة العارفين من صناع الجمال بشتى صوره في قلب القاهرة، يستقبلك "الغربال" الذي يزين واجهة إحدى بوابات المنازل العتيدة ليفصح عن خبايا حرفة صناعته التي آلت للاندثار.
في دكان صغير تتكدس الغرابيل أكوامًا على الأرض يشرف عليها بعض المناخل ذات التصميمات المتفردة والمعلقة من علو، يقبع عم "محمود رشوان" يطالع أخبار العالم متغنيًا بحاوي الأزمان البائدة.
في ورشة تفتح ذراعيها على بوابات التاريخ وتعيد عقارب الزمن إلى الوراء لأكثر من قرن من الزمان، وتحديدًا إلى عام 1903م، وضع الجد الأكبر الحاج رشوان لبنة باكورة دكاكين المغربلين بالقاهرة القديمة، ليكتب فصل جديد في رواية صناعة المنخل التي تضرب بجذورها في التاريخ منذ عصور قدامى المصريين.
الغربال أو المنخل أو الهزاز، أداة ظلت أمينة على سلامة ما يصل إلى معدة المصريين منذ آلاف السنين، وعبر مرور العقود تحولت من رقعة الجلد تلتف حول خصل من شعر الحصان إلى وعاء "يقد" من جلد الجمل بعد قصه أوتار رفيعة لنخل الفول المدشوش.
ومن قلب الصعيد، "أخميم" السوهاجية، استعان المغربلون بخيوط الحرير التي ينتجها دود القز لصنع المنخل بعد تخرجه وشد رقعة من الجلد الطبيعة حوله، فيتحول إلى قطعة فنية من جمال خالص.
مدت الميكنة وتطور صناعة النسيج بمعقلها في مدينة "المحلة الكبرى" دفعة قوية أميالًا عبر المستقبل فتحولت حرفة صناعة المنخل إلى واحدة من أبسط الصناعات عبر الاستعانة بالآلات الحديثة وبالاعتماد على خيط النسيج التي أبرزت أنواع جديدة من الغرابيل منها ذلك المستخدم في الدقيق أو الكسكسي أو السمسم أو الملوخية الجافة يفرقها عن بعض مدى اتساع أعين الغربال من دقتها.
يلتقط عم محمود رشوان أنفاسه اللاهثة بعد جولة بين محطات التاريخ عبر خلالها المنخل بكافة التطورات التي قادت به إلى تلك النسخة الفريدة من نوعها التي يتميز بها حاليًا، جسم من الصاج وعيون غربال لا يمكن رؤيتها بالعين بوضوح لما لها من دقة أحالت تلك الحرفة إلى دولاب النسيان لتتوه وسط عشات الحرف التي تشارف على الزوال.