مهندس الرسم والتطعيم.. وجيه أبو طاحون حفيد "عتاولة الأرابيسك والصدف" في خان الخليلي
علب الصدف والأربيسك.. تسري طلائع الشتاء ببرودتها بين نسمات الهواء الذي أنساب أخيرًا من هجير الصيف، وعلى وقع هويد الست أم كلثوم تشدو مخترقة مساحات أستثنائية في الغناء، تصدح بصوتها العذب من أحد الحوانيت، تتدفق تيارات الخلق بين ضفتي شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يزدان بتهاويل الأرابيسك بين سبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا، وقبة مسجد الصالح نجم الدين أيوب، مرورًا ببيت السحيمي وصولاً إلى باب زويلة.
بينما تلتقي أزقة شارع المعز وقلبها النابض بعبق الماضي الذي يتسلل بين حي الحسين يقبع "خان الخليلي"، أرشيف حي يروي حكايات الزمن الغابر وعبقٌ يشبع الأنفاس بجماله الفريد الذي يتنقل من جيل إلى جيل في الخان، هنا يجسد الأرابيسك والمشربيات عبق الماضي في كل زاوية، وعلى عتبات دكان "أبو طحون" العتيق.
أبو طحون رواد صناعة الأرابيسك بحي الحسين وخان الخليلي
عائلة "أبو طحون" أغواهم الفن الفريد لصناعة الأرابيسك والمشربيات والقطع المطعمة بالصدف وأغرتهم حلاوة الرسم والتطعيم فأنسلوا من السباق المستعر بحثًا عن المال ولحقوا بركب الفن وذواقة الجمال.
سرى عشق النقش على الخشب الطبيعي والتطعيم بالصدف بأوردة عم "وجيه"، الرجل الستيني، وسليل عائلة أبو طحون، صاحبة الباع الطويل في تلك الحرفة بالخان، والتي تمتد شهرتها بين روافد حي مصر القديمة بأكمله.
صاحب عم "وجيه" والده بين الأجازات المدرسية إلى مكمن أسرار صناعة الصدف والأرابيسك بالحي القديم، هناك نما حب تطعيم الأخشاب والنقش عليها بين أوردته حتى تشربت بها مخيلته بعدما اكتملت سنوات الدراسة الجامعية فعاد إلي الحسين حرفيًا كتفًا بكتف مع والده.
الشاكمجيات والطاولات والبارفات أجمل ماتصنعه أنامل عم وجيه
بين علب المجوهرات والطاولات والبارفانات و"الشاكمجيات" والأرائك والشطرنج وصواني تقديم الطعام بمقاساتها المختلفة، يلبي عم وجيه فروض عشقه للنقش والتطعيم دون التفات إلى آوان البيع، فعندما يحل أحد الزبائن يجد كل ماتشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من القطع الجاهزة للبيع وأخرى في طور التعديل لإضافة لمسات خاصة من الزبائن عليها، في انتظاره.
تبدأ رحة عم وجيه في تصنيع القطع بإنتقاء أفضل أنواع الأخشاب ثم النقش عليها وصنفرتها وتلميعها تمهيدًا لعرضها للزبائن، فيما يعمل على تطعيم قطع أخرى بالصدف وتركيبه بحرفية بالغة ثم صقله بالورنيش لإضافة طبقة حماية لامعة عليه.
أحال العش والتلاعب بخامات الأخشاب وحتى الأصداف الصناعية المصنوعة من الإكريليك مبيعات عم وجيه إلى أرقام زهيدة فالمنافسة غير متكافئة، خاصة مع حرصه على تقديم الشغل الأصلي المطعم بأصداف طبيعية يبلغ سعر الكيلو جرام الواحد منها 1200 جنيه، فيما لايتجاوز سعر الصدف التقليد الـ 300 جنيه للكيلو.
يبحث عم "وجيه" عن عشاق فن الأرابيسك والصدف الأصليين بين زبائنه، أصحاب الذائقة الفنية الخاصة الذين لاترضيهم سوى القطع القيمة الأصيلة، هؤلاء الذين يقصدوه من أقاصي الصعيد للحصول على جمل التحف الفنية التي لايقدرها سوى محبيها.