الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

انزعجنا كثيرا عندما أعلن (ترامب) عن نيته في تهجير أهل غزة قسرا، أو طواعية، رغبة منه في السيطرة على أرضها، وتحويلها إلى (ريفارا) الشرق على غرار (ريفارا) الفرنسية، وقال من لا يعرفون التاريخ الأسود لأمريكا وبريطانيا على المقاومة كي تتفاوض وتتنازل، أو أنهم وهَمُوا بأن (ترامب) جاهل بقيمة الوطن عند الإنسان العربي، الذي يمثل عنده عرضه وشرفه، والهجرة منه من المستحيلات وحين تستبين له تلك الحقائق سيتراجع عن أفكاره، ولكن لأن التهجير القسري له سوابق في التاريخ الأمريكي- كما ذكرت- وكان آخرها منذ عهد قريب، وكانت أحداثها التي سجلها التاريخ من الهول والفزاعة ما يجعل من أمريكا دولة بربرية وحشية همجية، وجهها ملطخ بدماء الضحايا الأبرياء.

قصة أرخبيل تشاغوس

*********************
في عام ١٩٦٥م، وقعت أعين الولايات المتحدة الأمريكية على منطقة استراتيجية للغاية في المحيط الهندي تعرف ب (أرخبيل تشاغوس)، وأرادت أن تضمها إليها، على النحو الذي تريد أن تفعله مع غزة الآن ولكن كانت هناك مشكلتان رئيسيتان تتعلقان بكيفية احتلال هذه المنطقة دون تنديد دولي !!
- الأولى: كانت الجزيرة تابعة لدولة (موريشيوس) وكانت (موريشيوس) نفسها تحت السيطرة البريطانية، واستطاعت أن تحل المشكلة بأن عقدت اتفاقًا سريًا مع (بريطانيا) و(موريشيوس) نصّ على أن تمنح بريطانيا الاستقلال لـ(موريشيوس) مقابل تنازلها عن (أرخبيل تشاغوس) وفي المقابل، تقدم الولايات المتحدة لبريطانيا تقنية عسكرية تحتاجها بشدة، وهي غواصات “بولاريس”.
ولم يكن بوسع (موريشيوس) في ذلك الوقت أن تعلن صراحةً أنها باعت أرضها، فكان الحل أن يخرج رئيسها معلنًا تمسكه بسيادة (الأرخبيل) بينما كان في السر قد تلقى مبلغ ثلاثة ملايين دولار رشوة مقابل التخلي عنها. 
- أما المشكلة الأخرى فكانت أكبر وأخطر: 
فقد كان سكان (الأرخبيل)  الذين ولدوا ونشأوا فيه، ولا يعرفون لهم وطنا سواه، عددهم بمئات الآلاف، و‏كان تهجيرهم القسري جريمة كبرى بموجب القانون الدولي، ولكن أمريكا المعهود عنها في كل تاريخها أنها لاتخشى القانون الدولي؟ ولا تلتزم به إلا إذا كان في صالحها.
ففي عهد الرئيس الأمريكي (ليندون جونسون) بدأ الترتيبات  لتهجير سكان هذا الأرخبيل، حيث تم تشكيل لجنة بقيادة الأدميرال الأمريكي (جريثام) ومعه الأدميرال البريطاني (السير جريتباتش) وبدأ الاثنان في تنفيذ خطة مرعبة لتهجير سكان الأرخبيل الذين رفضوا الهجرة الطوعية- كما يرفض أحرار غزة الآن- وبدأت الخطة بإرسال أمريكا وبريطانيا ثلاثين سفينة حربية إلى شواطئ الأرخبيل، ثم فرضوا حصارًا اقتصادياً خانقًا على السكان، فقطعوا عنهم المياه والكهرباء، والمواد الغذائية، ومنعوا وصول أي سفينة إليهم، ونشروا آلاف الجنود في كل زاوية، وقاموا بعمليات مداهمات يومية لإرهاب السكان - كما يفعلون مع أهل غزة الآن- فاعتمد السكان
في معيشتهم اليومية على الكلاب التي تستخدم في الصيد والرعي، فقام الأمريكيون بتجميع كل الكلاب، وأشعلوا النيران في الحطب، ثم قاموا بشوي الكلاب وهي حية أمام أعين أصحابها، وكل من تجرأ على الاعتراض، تم ربطه تقيبده وإلقاؤه في النيران؛ ليحترق مع حيواناته، كما قاموا بمصادرة جميع الثروة الحيوانية والدواجن، وأُحرقت بالكامل، لحرمان السكان من أي مصدر غذائي، مما اضطر معظم أهل الجزيرة إلى قبول الهجرة تحت وطأة الجوع والتعذيب- ندعوا الله أن يثبت أهل غزة-
أما الذين أصروا على البقاء، فقد تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب، حيث كان الجنود الأمريكيون والبريطانيون يربطونهم من أطرافهم، ثم يغمرون رؤوسهم في الماء حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة غرقًا.
أما النساء والفتيات، فقد تم اغتصابهن وانتهاك عروضهن، وتعرضن لأبشع أنواع التعذيب الذي لا يمكن تخيلها، وبعد شهور من الرعب والجوع والتعذيب، لم يكن أمام  هؤلاء إلا القبول بالتهجير القسري. 
وتم تجميعهم في الميناء، وأُجبروا على الصعود إلى السفن الحربية البريطانية والأمريكية، ولكن لم تكن في انتظارهم جميعا حياة جديدة- كما يَعِدُون أهل غزة- بل كانت رحلة إلى الموت، تمامًا كما فعل تجار العبيد في القرن الثامن عشر، عندما كانوا ينقلون الأفارقة بالسفن إلى مزارع السكر في أمريكا الوسطى والكاريبي.
وأثناء ركوبهم السفن إلى حيث وعدُوهم بالحياة الرغدة السعيدة، قام الأمريكيون بانتقاء المرضى والمسنين من السكان الذين بلغ عددهم أربعمائة فرد ثم قيدوهم وألقوا بهم في مياه المحيط الهندي لتلتهمهم أسماك القرش.
أما البقية من السكان ، فقد تم نقلهم إلى بريطانيا ودول أخرى، ليجدوا أنفسهم مشردين في الشوارع بلا جنسية ولا مأوى، حتى انتهى الأمر بكثير منهم إلى الانتحار؛ لأنهم رفضوا التسول أو بيع بناتهم.
‏وبعد عشر سنوات من الظلم والجبروت والطغيان - فترة الهيمنة والسيطرة- تم القضاء على شعب كامل أمام أعين العالم. الذي لم يطرف له رمش، ولم يتحرك فيه ضمير.
وبعد أن تم طرد السكان، وإخلاء الأرخبيل بدأت الولايات المتحدة في بناء قاعدة (دييغو غارسيا) العسكرية، التي أصبحت واحدة من أهم القواعد العسكرية الأمريكية، واستخدمت لاحقًا في حروب أفغانستان والعراق والخليج، وبها الآن أكثر من ألفي جندي مشاة، وثلاثين سفينة حربية، ومدرجين للطائرات الحربية، ومنشآت للغواصات المسلحة نوويا، ومحطة للتجسس بالأقمار الصناعية.
وما حدث في (تشاغوس) لم يكن إستثناءً، بل هو نموذج متكرر لجرائم التهجير القسري. 
و(ترامب) لم يكن  استثناءً في السياسة الأمريكية، وليس مجرد سمسار مجنون يسعى لتغيير العالم أو إلغاء القضايا التاريخية.
بل هو خير من يمثل حضارة بلده، والغرب عموما القائمة على الغزو، والنهب، والتهجير، وإبادة السكان الأصليين. 
ورغم مرور عقود، لم يحصل سكان (تشاغوس) على العدالة، ولم تستطع القوانين الدولية إعادة حقوقهم. وهذا يثبت أن القانون الدولى لا يكفي، بل القوة والصمود وحدهما يفرضان الإرادة على أصحاب الطغيان والعنجهيا.
إنهم اليوم يريدون أن يجعلوا قطاع غز.ة نسخة مكررة من (أرخبيل تشاغوس)
ويسعون لإنشاء شواطئ، ومناطق سياحية، وقواعد عسكرية، بينما يتم تهجير السكان الأصليين إلى مصر أو الأردن، وربما إلى إندونيسيا والفلبين، 
وعندما سُئل ترامب عن شرعية هذا المخطط، أجاب ببساطة:
“نحن قررنا، وسوف ننفذ.”
ونحن نقول له: إن أهل غزة لم ولن ينفذوا.

تم نسخ الرابط