عم بلبل مهندس الإبرة والمكوك.. حكاية أقدم دكان تصليح ماكينات خياطة بالسيدة (خاص)
على أوتار الخيوط وبين فكي الأبرة والمكوك تتصاعد ألحان شدو ماكينة الخياطة، تهمس بخيوطها لتكتب على الأقمشة قصصاً لا تُنسى، عبر قلبلها الذي ينبض على وقع العجلة والدواسة فتتحول حركات الإبرة إلى نغمات هادئة، تهمس للقطن والحرير، وتحيك أحلاماً وأسراراً بين طيات الأقمشة.
بين دروب سوق السمك المفضي من ميدان أم العجائز السيدة زينب، تستقبلك ناصية درب الفتح بدكان "عم بلبل" الموشى بأحرف عهيدة تشكل كلمات "هندسة ماكينات الخياطة"، "أولاد الحاج عبده"، بينما يصدح صوت فريد الأطرش متغنيًا برائعته "الحياة حلوة بس نفهمها.. الحياة غنوة ما أحلى أنغامها"،
يقبع عم بلبل، أقدم تاجر وماكيناتي لآلات الخياطة في مصر، خلف طاولة بسيطة يعمل يديه على تزيت إحدى الماكينات السينجر، والتي يرجع تاريخ صنعها إلى 300 عامًا، وتشحيم أجزائها الدقيقة فيبث الحياة من جديد إلى القطع التليدة بدفقات من الشحم.
تجمع آلات خياطة عم بلبل، بين الفن والجمال، في دكان يضرب بجذوره في التاريخ إلى ما وراء 150 عامًا، كان ولايزال مستودعًا لأجمل ماكينات الخياطة وأفضلها ما بين السينجر الإنجليزي والمرسيدس وماكينات الخياطة الياباني وماكينات السرفله والعراوي والأوفر.
عبر قرون طويلة تحولت ماكينات الخياطة إلى محرك لعجلة الفن والتقنية، تُمكن البشر من ابتكار أجمل التصاميم وتطوير الصناعات المختلفة حتى أضحت شاهدة تاريخ طويل من الإبداع البشري المستمر، ومعشوقة عم بلبل الأولى التي أفنى فيها عمر بأكمله؛ ورث هواها عن والده الحاج عبد القادر، التي تزينت صوره الدكان القديم، وناسب عائلة من أشهر تجار الماكينات بالأسكندرية فانصهرت ماكينات الخياطة بين أوردته.
حولت ماكينات الخياطة صناعة تصميم الملابس إلى فن فريد من نوعه غدى جزءاً من هوية الإنسان ووثق سجلات الحياة التي تُطرز في كل غرزة ومع كل خيط، وتجمع بين الماضي والحاضر على وقع دوران عجلاتها الجانبية التي تتزامن مع رقاصات يد الحرفي على دواستها، ليصنع آيات من الجمال على الأقمشة.
بوجه تملؤه التجاعيد أخاديدًا وأنامل أصبغتها الزيوت فأحالت لونها يعيد عم بلبل فك الماكينات القديمة وإعادة تركيبها بأدواته الدقيقة كجراح مخضرم يدري أن يضع مبضعه في كل خطوة، حتى أصبح قبلة لهواة ماكينات الخياطة والحرفيين الذي وجدوا في تلك المهنة وسيلة لكسب الرزق.