قصة أصحاب الجنتين في سورة الكهف.. نهاية كل مغرور
تعتبر قصة أصحاب الجنتين واحدة من القصص القرآنية البليغة التي تحمل في طياتها دروسًا عميقة وعبرًا قيمة، وردت القصة في سورة الكهف، وتُعتبر عبرة وعظة للإنسان تبين له ضرورة التواضع وشكر الله على النعم، وتحذره من الغرور والكبر والاعتماد على النفس دون التفكر في قدرة الله ومشيئته.
قصة أصحاب الجنتين في سورة الكهف
تبدأ قصة أصحاب الجنتين في السورة الكريمة بذكر رجلين أحدهما أنعم الله عليه بجنتين عظيمتين مليئتين بالأشجار المثمرة ومحاطتين بالنخيل وتحتويان على أنهار تجري بينهما، وكان صاحب الجنتين مغترًا بنفسه وثروته، وقد رأى أنه أفضل حالًا من صاحبه الآخر الذي كان أقل منه مالًا وأولادًا، وفي لحظة من الغرور قال لصاحبه:
"وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا".
لم يكن هذا الرجل يشكر الله على نعمه، بل غره الجاه والمال الذين ابتلاه الله بهما واعتقد أن هذه الجنة لن تزول وستبقى للأبد وأن الساعة لن تقوم أبدًا، وحتى لو قامت فإنه يتوقع أن يُعطى جنة أفضل في الآخرة، وكان هذا تعبيرًا واضحًا عن كفره بنعم الله وغروره بثروته.
وفاء الصديق وغرور الصاحب
وعلى غرار ذلك، كان الرجل ذو النصيب الأقل من المال والرزق أكثر تواضعًا ورضًا بقضاء الله وقدره، كما كان صديقًا مخلصًا إذ حذّر صاحبه من الاغترار بنفسه ونسيان فضل الله، وذكره أن كل ما يملكه هو بفضل الله وليس بفضل قوته أو ذكائه، وأنه كان يجب أن يقول عندما دخل جنته: "وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا"، ثم أكمل كلامه قائلاً إنه إذا شاء الله قد يُدمر تلك الجنة، ويجعلها قاعًا صفصفًا، فلا يجد منها شيئًا.
عقاب الله تعالى للمغرور
"إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ"، أعطى الله تعالى عبده المغرور فرصة لعله يعود ويستغفر، فلما طال في الرجوع وتملكت من نفسه الدنيا، تحقق تحذير صاحبه المتواضع، حيث أرسل الله تعالى على الجنة بلاءً فأصبحت كأن لم تكن، ودُمّرت جميع ثمارها ومحاصيلها، ولم يستطع صاحبها المغرور أن ينقذ شيئًا منها، وحينها فقط ندم هذا الرجل على كفره وغروره، ولكنه أدرك الحقيقة متأخرًا.
يقول الله تعالى: "وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا"، وفي هذه اللحظة، أدرك صاحب الجنة أنه كان يظلم نفسه بكفره وشركه بالله، وتمنى لو أنه شكر الله على ما أنعم عليه بدلاً من أن يغتر.
كيف نستفيد من قصة أصحاب الجنتين
تحمل قصة أصحاب الجنتين العديد من الدروس التي ينبغي لكل مسلم أن يتعلمها ويعمل بها، منها الآتي:
- شكر النعم: من أبرز الأشياء التي ركزت عليها القصة هو شكر الله تعالى على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن نوقن تمام اليقين أن كل ما نملكه هو من فضل الله، سواء كان ذلك مالًا أو صحة أو مكانة اجتماعية.
- التواضع وعدم الاغترار: المغتر بنعمه يظن أنها من صنع يديه وجهده، وينسى أن الله هو الذي أعطاه هذه النعم الأمر الذي يؤدي إلى هلاكه كما حدث مع صاحب الجنتين.
- التوكل على الله: التوكل على الله والاعتراف بقدرته فوق كل شيء هو السبيل الوحيد للنجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة، ولا يمكن للإنسان أن يعتمد على قوته وحدها، فالله هو الذي يعطي ويأخذ.
- العبرة في الآخرة: على الإنسان أن يتذكر أن النعم الدنيوية زائلة وأن الحياة الحقيقية هي في الآخرة، ويتذكر أن الدنيا دار اختبار وما نناله في الآخرة هو الذي يبقى.