حكم الكذب في المزاح .. مفتي الجمهورية يجيب

حكم الكذب في المزاح .. أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في برنامج اسأل المفتي، الذي يعرض على قناة صدى البلد، أن الصدق من القيم الأخلاقية الكبرى التي حثت عليها جميع الرسالات السماوية، مشيرًا إلى أن الصدق لا يقتصر على الأقوال فقط، بل يشمل الأفعال والنوايا أيضًا، موضحًا أن هذه الصفة كانت سمة أساسية للأنبياء والمرسلين، حيث ذكر القرآن الكريم العديد منهم بوصف الصدق، مثل سيدنا إبراهيم عليه السلام: "إنه كان صديقًا نبيًا"، وسيدنا إسماعيل: "إنه كان صادق الوعد"، وسيدنا إدريس: "إنه كان صديقًا نبيًا".

وأشار المفتي إلى أن العلماء أجمعوا على أن الصدق من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها من يتولى مهمة تبليغ الرسالة الإلهية، مستشهدًا بما جاء في حديث هرقل عندما سأل أبا سفيان عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأجابه بأنه لم يكذب أبدًا، فرد هرقل: "وكذلك الأنبياء لا يكذبون".
أهمية الصدق في النية والعمل
تناول المفتي دور الصدق في النوايا والأفعال، موضحًا أن الإمام الغزالي أشار إلى ضرورة الصدق في القول والعمل والعزم، وكذلك في النية والقصد، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، مما يدل على أن النية تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق الصدق.
وأوضح أن شهر رمضان يعد مدرسة إيمانية تعلم الإنسان الصدق، حيث إن الصيام عبادة خفية بين العبد وربه، مما يعزز من خشية الله والالتزام بالصدق، مستدلًا بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، مؤكدًا أن التقوى ترتبط بالصدق في القول والعمل.
وأضاف أن الصائم الصادق يلتزم بأخلاقيات الصيام، فيصبر على الأذى، ويضبط نفسه عند الغضب، ويقول: "إني امرؤ صائم"، مما يجعله أكثر قدرة على مواجهة الشهوات والمغريات.

حكم الكذب الأبيض والمزاح بالكذب
وحول مسألة الكذب الأبيض والمزاح بالكذب، شدد المفتي على أن الكذب مرفوض تمامًا، سواء كان بغرض المزاح أو لأي سبب آخر، مؤكدًا أنه لا يوجد ما يسمى بالكذب الأبيض أو الأسود، لأن الكذب يظل محرمًا، إلا أنه أشار إلى وجود حالات استثنائية يرخص فيها الكذب لتحقيق غايات نبيلة، مثل:
- الإصلاح بين المتخاصمين حيث يجوز أن يخبر أحدهم الآخر بأن خصمه لم يقل عنه إلا خيرًا لتقريب وجهات النظر.
- تقوية العلاقة الزوجية حين يقول الزوج لزوجته كلامًا لطيفًا يعزز المودة بينهما، حتى وإن لم يكن يعبر عن شعوره الحقيقي في تلك اللحظة، والعكس صحيح.
وأوضح المفتي أن هذه الرخصة لا تعني إباحة الكذب بشكل مطلق، بل يجب أن تكون بقدر الحاجة، وأن يكون الهدف منها تحقيق الخير والإصلاح، وليس التضليل أو الخداع.
الصدق.. فضيلة ترفع من مكانة الإنسان
اختتم مفتي الجمهورية حديثه بالتأكيد على أن الصدق ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل هو أساس متين تبنى عليه العلاقات بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والآخرين، مشيرًا إلى أن التحلي بهذه الفضيلة يجعل الإنسان أكثر قربًا من الله، وأكثر احترامًا وتقديرًا في مجتمعه.

ودعا الجميع إلى الالتزام بالصدق في القول والعمل، والابتعاد عن الكذب بجميع أشكاله، إلا في الحالات الضرورية التي تهدف إلى تحقيق الخير والإصلاح، وذلك وفقًا لما أقره الشرع.