في ذكرى ميلاده الـ98.. أبرز المحطات في حياة القارئ محمود علي البنا
أبرز المحطات في حياة القارئ محمود علي البنا.. يصادف اليوم الثلاثاء، الذكرى الـ98 على ميلاد أحد أعظم قرّاء القرآن الكريم في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، الشيخ محمود علي البنا، الذي وُلد في 17 ديسمبر عام 1926 بقرية شبرا باص التابعة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية.
أبرز المحطات في حياة القارئ محمود علي البنا
وكان البنا قد تميز بصوته العذب والفريد وموهبته الاستثنائية، التي جعلت منه سفيرًا للقرآن الكريم، حيث طاف أرجاء العالم على مدار 40 عامًا، وتلا آيات الذكر الحكيم في أقدس المساجد، مثل الحرمين الشريفين والحرم القدسي والمسجد الأموي، إلى جانب زيارته معظم دول العالم العربي وأوروبا، خاصة خلال شهر رمضان المبارك.
نشأة الشيخ محمود علي البنا وحفظ القرآن الكريم
وُلد الشيخ محمود علي البنا، في بيئة متواضعة وقرّر والداه نذره لحفظ القرآن الكريم، حيث التحق بالكُتّاب وهو في الرابعة من عمره.
وفي لقاء إذاعي نادر، تحدّث الشيخ البنا عن أيام طفولته، قائلاً إنه كان يسهر لياليه على ضوء "لمبة الجاز" لمراجعة ما حفظه، حتى أتم القرآن الكريم كاملًا وهو في 11 من عمره.
وحين أراد الالتحاق بمعهد القراءات في شبين الكوم، حالت قواعد المعهد دون ذلك لأنه لم يبلغ الثانية عشرة من عمره بعد، فانتقل إلى معهد المنشاوي بمدينة طنطا المجاورة، وهناك اكتشف موهبته الشيخ حسين معوض الذي شجّعه على تعلّم القراءات على يد الشيخ إبراهيم سلام بالمعهد الأحمدي، قبل أن ينتقل إلى القاهرة ليبدأ مسيرته الحافلة.
التحاقه بالإذاعة وبداية الشهرة
وعقب انتقاله إلى القاهرة، بدأ "البنا" تلاوة القرآن الكريم في المناسبات المختلفة، حتى لفت صوته انتباه رئيس جمعية الشبان المسلمين، صالح باشا حرب، الذي اعتمده قارئًا للجمعية عام 1947، وفي العام التالي، استمع إليه على ماهر باشا، وطلب منه الالتحاق بالإذاعة المصرية، ليصبح أصغر قارئ معتمد في إذاعة القرآن الكريم عام 1949.
وفي تلك الفترة، واجه البنا موقفًا استثنائيًا حين أضرب كبار القرّاء عن التلاوة، بسبب تعاقد الإذاعة مع الشيخ مصطفى إسماعيل بأجرٍ أعلى، فكان الشيخ محمود البنا بديلهم في ذلك الوقت، وتناوب البنا حينها التلاوة مع الشيخ الحصري والشيخ البهتيمي، حتى ظن البعض أن له علاقة خاصة بالقصر الملكي.
حياته الأسرية واستقراره في القاهرة
تزوّج الشيخ محمود البنا من "سيدة"، شقيقة صديقه محمود علي راشد، وهو في سن 21 عامًا، بينما كانت زوجته تبلغ من العمر 16 عامًا، وذلك قبل أشهر قليلة من اعتماده بالإذاعة، ورُزق الزوجان بأبناء عديدين، وهم: (شفيق، آمال، علي، أحمد، محمد، ناهد، وشريف).
وبدأ البنا حياته الزوجية في شقة صغيرة بشبرا، ثم انتقل إلى حي حدائق القبة، وفيما بعد بنى منزلًا مستقلًا لأسرته في منطقة مصر الجديدة.
محطاته كقارئ لمساجد مصر الكبرى
تم تعيين الشيخ البنا قارئًا بمسجد الأميرة (عين الحياة) بحدائق القبة، والذي أُطلق عليه لاحقًا مسجد الشيخ كشك، وفي عام 1956، انتقل إلى مسجد الرفاعي بالقلعة، ثم عاد إلى المسجد الأحمدي بطنطا عام 1958 ليحل محل الشيخ الحصري، الذي انتقل لمسجد الحسين.
وظل الشيخ البنا قارئًا للمسجد الأحمدي لمدة 23 عامًا، حيث ذاع صيته بين المصريين، وفي أحد الأيام تسلّلت والدته وسط المصلين لترى ابنها الذي أصبح "خادمًا عند السيد البدوي"، كما دعت له في صغره.
وفي يوليو 1960، ظهر الشيخ محمود البنا لأول مرة على شاشة التلفزيون المصري يوم افتتاح بثه، ليُصبح أحد أعلام دولة التلاوة المصرية، ومن ثم، بدأ رحلته العالمية، فسافر إلى الهند وماليزيا ودول الخليج والجزائر ولبنان وأوروبا، ليُعرف بسفير القرآن الكريم.
علاقته بالرئيسين عبد الناصر والسادات
تعرف الشيخ محمود البنا على الرئيس جمال عبد الناصر حين دعاه للقراءة في عزاء والده بالإسكندرية عام 1965، وخلال هذا اللقاء، أمر عبد الناصر الإذاعة بتسجيل المصحف المرتل بصوت الشيخ محمود البنا ليكون ضمن عظماء التلاوة بعد الشيخ الحصري ومصطفى إسماعيل والمنشاوي وعبد الباسط.
أما مع الرئيس السادات، فقد كانت علاقته وطيدة، حيث دعاه السادات مع كبار القراء إلى استراحته بالقناطر الخيرية، وطلب منهم تأسيس نقابة للقراء، وبناءً على ذلك، صدر قانون النقابة رقم 93 لسنة 1983، وانتُخب الشيخ محمود البنا نقيبًا بعد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.
التكريم والإرث القرآني
ترك الشيخ محمود علي البنا ثروة إذاعية ضخمة، حيث سجّل المصحف المرتل والمجوّد للإذاعة المصرية ولإذاعات الدول العربية.
كما حصد العديد من شهادات التقدير والأوسمة، أبرزها ميدالية القوات الجوية في عيدها الخمسين عام 1982 ودرع الإذاعة في عيدها الذهبي عام 1984.
اللحظات الأخيرة ووفاته
في أيامه الأخيرة، طلب الشيخ محمود البنا رؤية صديقه المقرب الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي زاره بالمستشفى، وخلال اللقاء، أيقن الشعراوي بدنو أجل صديقه، وودّعه بكلمات مؤثرة قائلاً: "هنتقابل بعدين".
وأوصى الشيخ البنا أبناءه بتوزيع تركته وفق الشريعة الإسلامية، وطلب منهم تشغيل القرآن بصوته خلال جنازته، وفي 20 يوليو 1985، صعدت روحه إلى بارئها، وكان الشيخ الشعراوي على رأس مشيعيه، حيث قام بدفنه بيده وفق وصيته.
وفي تكريمٍ بعد وفاته، منح الرئيس المصري اسمه وسام العلوم والفنون عام 1990، كما أطلقت محافظة الغربية اسمه على أحد شوارع مدينة طنطا الرئيسية تكريمًا لمسيرته العطرة.