الصاج بديل النحاس.. ورش المعز تحول الرخيص لغالي بمصابيح وأباجورات| صور
يغوص عم "محمد" في سراديب الماضي مسترجعًا عقود شفهية كان يبرمها مع جاره الحاج "دسوقي" لتوريد شرائح النحاس الخام إليه بعد أن يتولى عم دسوقي تسيحيها وتحويلها إلى ألواح من النحاس بسمك وطول متفق عليه، يستفيق عم "محمد" بينما يضع أحد صبية الورشة ألواح الصاج على الأرض استعدادًا لوضعها بين فكي المخرطة، المعدن البخث الذي حل محل النحاس بعد أن قفز سعر الأخير قفزات متتالية جعلته بعيد المنال وصعب التوريد.
يقود عم محمد أوركسترا من فناني تشكيل المعادن بإحدى ورش حي الغورية، والتي تتخذ من شارع المعز لها مكمنًا، يتناغم صوت المطرقة مع طنين أدوات الحفر على الصاج، بديل النحاس الذي وصل سعره إلى 1200 جنيه، وكأنها سيمفونية من الشعر تعود إلى العصر الفاطمي.
يطوع فريق من الحرفيين الذين انتقاهم عم "محمد" بعناية ليصبحوا باكورة جيل ناقشي المعادن الجديد، فيتحول الصاج بين أيديهم إلى قطع رائعة من المصابيح والقناديل التي تنبض بالحياة.
وبين يدى "دسوقي" ومع كل ضربة مطرقة لـ "أحمد"، وكل لمسة لآلة الحفر، ينقش فنانو ورشة عم محمد تاريخًا جديدًا على صفحات المعدن، ليخرج في النهاية تحفة فنية تحمل بين ثناياها روح المكان وحكايات صاحبها مع فن تشكيل المعادن.
وقع عم محمد، الرجل الذي يناهز السبعين عامًا، في هوى النحاس وتشكيل الفضة فأسره بريق المعدن بين آلات الخرط، ونقشت أدوات الحفر على قلبه رواية في عشق النحاس، فتحولت جولاته بين دهاليز المعز والغورية عائدًا من المدرسة إلى نزهة يومية لا يتجاوزها حتى في أوقات الاختبارات الشهرية وامتحانات نهاية العام.
استجد عم محمد هوى النحاس بالعائلة وتشرب الصنعة من "عتاولة" حرفيي النحاس بالمعز وخان الخليلي حتى جرت بأوردته وأضحى معلمًا مخضرمًا بالصنعة ومقصدًا لراغبي التعلم من طلاب الكليات الفنية وحتى أجيال الحرفيين الجديدة من كل حدب وصوب.
يستقبل فريق عم محمد الصاج لتشكيله على المخارط ثم تأتي مرحلة التأهب أو التخريم يتولاها أحد صفوة الحرفيين، ويعمل آخر على تطهير القطع بعد تشكيلها وتنظيفها بالماء وسوائل خاصة للتعقيم قبل غمسها في براميل ضخمة تكسب الصاج لون النحاس الشهير بدرجاته اللونية المختلفة، وبعد تثبيت اللون يتولى آخر تجفيف القطع باستخدام نشارة الخشب وفركها بروية حتى تختفي آخر قطرة ماء عالقة بها.