ورشة مؤمن آخر معاقل صناعة أواني الطهي من المعدن القديم في مصر| صور
صناعة الألومنيوم.. تسري بشائر الشتاء ببرودتها بين نسمات الهواء الذي أنساب أخيرًا من رطوبة، وعلى وقع هويد الست أم كلثوم تشدو برائعتها "ألف ليلة وليلة" تخترق مساحات استثنائية في الغناء، تصدح بصوتها العذب من أحد الحوانيت، تتدفق تيارات الخلق بين ضفتي شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يزداد بتهاويل الأرابيسك بين رحابة صحن الأقمر، وقبة مسجد الصالح نجم الدين أيوب، مرورًا ببيت السحيمي وصولًا إلى باب زويلة.
كبات السبحة لا يتجاوز شيوخ حرفة الألومنيوم بشارع المعز، الذين اتخذوا من دهاليزه ورشًا لهم، رجال أسرهم الألومنيوم فواصلوا صقله وتشيله رغم موجات الركود التي ألمت بأسواقه داخل وخارج مصر.
يقبع "مؤمن"، الشاب العشريني، خلف المخرطة ليمارس عشقه الأثير في صقل رقع الألومنيوم التي يحضرها مجهزه للتشكيل من إحدى الورش المجاورة، يضع الرقعة بين فكي الماكينة وما إن يضغط على زر التشغيل حتى يهدر المحرك بزئير يكاد يصم الآذان.
تلتف قطعة النحاس حول نفسها في دوائر لا تنتهي فيما يواصل مؤمن من جهة، ومعلمه عم "محسن" من جهة أخرى تثبيت القطعة وصقل حوافها وتهذيبها؛ تشكيلاً لـ "بولة" أو طبق غويط، في "طلبية" واردة إليهم من أحد التجار السودانيين.
شب "مؤمن" على حب تسارع مثقاب المخرطة ورافق صباه ضجيج محركها الهادر حتى اعتاد عليه وألف وجوده، وفي ورشة تتخذ لها مكانًا بإحدى زوايا شارع المعز، ورث "مؤمن" الصنعة عن والده الحاج "ممدوح" الراحل، صديق عمر عم "محسن" ورفيق رحلة كفاح امتدت لـ 39 عامًا.
يسترجع عم "محسن" شريط ذكرياته مع صناعة الألومنيوم التي سرى عشقها بين أوردته وجمعته بصديق الصبا الحاج ممدوح الذي ورث ورشة الألومنيوم عن والده وقاسمها عم محسن يدًا بيد على المخارط.
وفي رحلة شارفت على محطة النهاية، يجابه مؤمن وعم محسن، مهنة تصارع الاندثار بعدما صرعتها المنافسة مع منتجات أواني الطهي المستوردة ما بين السيراميك والاستانلس ستيل وأخرى مزودة بطبقة غير لاصقة، قادت إلى انحسار مبيعات الألومنيوم في مصر، فلم يبق سوى النذر اليسير من عشاق الألومنيوم من تجار السودان بشطريها الذين يحضرون إلى مصر المحروسة ويعودون إلى بلادهم محملين بأجود أواني الطهي المصنوعة من الألومنيوم.