الشيشة سر مزاج المصريين على مقاهي القاهرة
الشيشة .. من أسواق القاهرة القديمة إلى المقاهي البغدادية، ومن شوارع دمشق إلى حواري إسطنبول، تحمل تلك الآلة العتيقة بين أنفاسها عبق التاريخ وأسرار الماضي، يتردد صدى كركرتها بين دهاليز التاريخ لتظل شاهدة على روعة التصميم وأبهة الصناعة التي تجلت في معشوقة المثقفين وأداة التدخين التراثية الأولى، التي عرفت بإسم "الشيشة".
بين دهاليز شارع المعز لدين الله الذي يشق قلب القاهرة الفاطمية، يتشبع هواء نوفمبر بعبق الماضي، وبين جدران المنازل التاريخية تتداخل حكايات الأندلسيين والمماليك والفاطميين، قصص تزخر بالحب والحرب، بالأمل واليأس، بالفكر والفن، تتزين جدران الأبنية والسبل بفسيفساء تبوح بقصص الراحلين والأبطال التي تنعكس على أزقة الخانات والدروب.
تصمم "الشيشة" أو "النرجيلة" بهيلكها المميز على قاعدة من الزجاج المزخرف بأزهى الألوان، أو المطعمة بالصدف والنحاس لعشاق التميز والاختلاف، يمتد منها ذراع طويلة تنتهي بـ "المبسم" التي يستقبل فم المدخن ويمده صدره بأنفاس القص أو السلوم.
تزين صفوف الشيشة دكان عم "عصام القصبي"، عجوز ستيني تتجلى ملاحة من قسماته وتشي بتوليفة من الحنكة والذكار، يقف "القصبي" كأسد رابض على بوابة دكانه الذي يفتح مصراعيه على أعتاب شارع "المعز"، ينتظر عشاق الشيشة أو "النرجيلة" ويبادر بالإجابة عن أسئلة الهواة والفضولين عن أفضل أنواع الشيشة وأسعار تصميماتها المختلفة.
سرى هوى "الشيشة" في أوردة عم عصام، الذي عرفها منذ نعومة أظافره مرافقًا والده ومن قبله جده إلى الدكان الذي لايزال يحمل بصماتهما الجلية في كل ركن، يعمل عم عصام يديه على تلميع قطع الشيشة النحاسية ويزيح الأتربة عن تلك المصنوعة من الإستانلس ويخصص قطعة قماش مهندمة لتنظيف "الشيش" الزجاجية المزخرفة ببروز الألوان، شيش الأرض أو الطاولات.
يتكرر دوي كركرة الشيشة كحيوان غامض يزأر بداخلها كلما استدعاه سيده، يمتد ذراع الخرطوم أو كما يطلق عليه "الفارغة" ليلضم جسم الشيشة بفاه المدخن، ويوقد حمو صدره بأنفاس المعسل، القص والسلوم للمدخنين المخضرمين وأصحاب ذائقة خاصة حارقة في الشيشة أم الفواكه فلحديثي العهد بها ومحبي التفاخر بروائحها الشهية.
يتراوح سعر الشيشة ما بين 300 جنيه وحتى تصل إلى 3 آلاف جنيه، بينما يبد سعر الفارغة من 30 جنيه إلى 80 جنيه، فيما يقدر حجر المعسل بأنواعه من 15 جنيه إلى 500 حسب النوع والكمية.