قصة ذو القرنين.. رحلة العدالة في الحكم والتواضع رغم التمكين
قصة ذو القرنين.. في كل يوم جمعة، تتجدد رحلتنا الروحية مع سورة الكهف التي روت عدد من القصص تحمل في طياتها دروسًا وعِبَرًا تجعلنا نتأمل في حكمة الله ومعجزاته، وتحمل كل قصة في سورة الكهف عبرة فريدة عن دونها من القصص، بدءًا من أصحاب الكهف وصولًا لذي القرنين.
وتعتبر قصة ذو القرنين واحدة من أجمل القصص التي جاءت في القرآن الكريم، وورد ذكرها في سورة الكهف من الآية 83 إلى 98، وتحكي الآيات الكريمة عن عدل ذو القرنين وقوته في مواجهة الظلم، وبنائه للسد العظيم لمواجهة فساد قوم يأجوج ومأجوج.
قصة ذو القرنين في القرآن الكريم
اختلف العلماء حول سبب تسمية ذو القرنين بهذا الاسم، وقيل إنه لُقّب بذلك بسبب إصابتين في رأسه، واحدة في الجانب الأيمن وأخرى في الجانب الأيسر، بينما يرى آخرون أنه حمل هذا اللقب لأنه حكم بلاد فارس والروم أو دخل مناطق النور والظلام، فيما يعتقد البعض الآخر أنه رأى في منامه وكأنه يسيطر على قرني الشمس.
أما هويته الحقيقية فظلت موضع جدل، فهناك آراء ربطته بالإسكندر الأكبر أو كورش الكبير أو الفرعون إخناتون، ومع ذلك لا يمكن الجزم بهوية دقيقة له.
رحلة ذو القرنين في القرآن الكريم
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا* إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا* فَأَتْبَعَ سَبَبًا* حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا* قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا… )
بدأت رحلة ذو القرنين عندما مكّنه الله في الأرض، ووهبه من الأسباب ما ساعده على اكتشاف جهات الأرض الأربع، ووصل ذو القرنين إلى مغرب الشمس، حيث وجد قومًا فسُمح له بأن يعاملهم إما بالحسنى أو بالتعذيب، فاختار العدل ليعاقب المفسدين وينصف الصالحين، مظهرًا عدله وحكمته في التعامل مع كل موقف بما يناسبه.
وصوله إلى مطلع الشمس
توجه ذو القرنين إلى الشرق بعد مغرب الشمس، فوجد أمة بدائية، لا تملك من وسائل التحضر ما يحميها من الشمس، فلا بيوت تحميهم ولا ستر لهم.
وبالرغم من أن هذه الأمة كانت تعيش في حالة من البساطة والتخلف، فإن الله عز وجل مكنه من الوصول إليهم ليعلم أن البشر رغم تنوعهم واختلاف مستوياتهم، لا يغيبون عن علم الله، وأن تنوع البشر دليل على عظمة الخالق.
بناء السد لمواجهة يأجوج ومأجوج
وبعد مغامراته في الشرق، وصل ذو القرنين إلى قوم يعيشون بين جبلين، اشتكوا له من فساد يأجوج ومأجوج الذين كانوا يتسببون في خراب أراضيهم، وطلبوا منه أن يبني لهم سدًّا ليحميهم من هذه الأقوام العدائية، وعرضوا عليه أجرًا مقابل مساعدته، ورفض أن يأخذ منهم المال وأمرهم بدعمه بالقوة البشرية فقط لبناء السد.
واستخدم ذو القرنين الحديد والنار والنحاس المذاب في بناء سدّ متين لا يمكن اختراقه بسهولة، وقال لهم إن هذا السد هو رحمة من الله، وأنه سيظل قائمًا إلى أن يأتي وعد الله بدماره يوم القيامة.
ماذا نستفيد من قصة ذو القرنين؟
تعتبر العدالة في الحكم والتواضع رغم التمكين، والحرص على نشر الخير ومساعدة الآخرين بلا استغلال أو طمع، من أبرز العبر التي يمكن أن نستفيد بها في قصة ذو القرنين، فعلى الرغم من قوته وسلطته التي أعطاها الله له، إلا أنه لم يغترّ أو يسعى للجمع المادي، بل سخر قوته لرفعة الحق ومساعدة المحتاجين.