قصة موسى والخضر عليهما السلام.. رحلة البحث عن العلم والمعرفة
قصة موسى والخضر.. هناك العديد من القصص في القرآن الكريم والتي يحوي كل منها معجزة وعبرة للعالمين كافة، وعندما نتأمل في سورة الكهف، نجد عدة قصص ذكرها الله لنا، وقصتنا اليوم عن رحلة النبي موسى -عليه السلام- وهو يسعى للقاء رجل قد حباه الله علمًا وحكمة يتفوقان على علم موسى نفسه.
وفي هذه الرحلة المشوقة التي تجمع بين الحكمة والصبر والتعلّم، يأخذنا القرآن الكريم إلى مجمع البحرين، حيث يلتقي موسى بالخضر – العبد الصالح – ليبدأ معه رحلة مليئة بالأحداث التي تكشف عن أقدار غامضة وحكم إلهية خفية.
قصة موسى والخضر
تبدأ القصة عندما وقف نبي الله موسى -عليه السلام- في أحد الأيام خطيبًا في بني إسرائيل، وسأله قومه حينها عن أعلم أهل الأرض، فأجاب موسى -عليه السلام- بأنّه هو، معتبرًا نفسه الأكثر علمًا، فنسي بذلك أن يُرجع الفضل إلى الله.
وعندها عاتبه الله تعالى على ما قال، وأخبره بوجود عبدٍ صالحٍ أعلم منه، وهو في مكان يُدعى "مجمع البحرين"، فبادر موسى -عليه السلام- بالسؤال عن كيفية الوصول إلى هذا الرجل، ورجا الله أن يدله عليه، فأمره الله بالخروج في رحلة للبحث عنه، وأن يأخذ معه حوتًا ويضعه في سلة، وفي المكان الذي يفقد فيه الحوت سيجد العبد الصالح.
انطلق موسى -عليه السلام- في رحلته، مصطحبًا معه فتاه يوشع بن نون والحوت، وسار الاثنان حتى وصلا إلى صخرة، حيث شعرا بالنعاس وناما هناك، وفي تلك اللحظة خرج الحوت من السلة وهرب إلى البحر بعد أن شرب من عين ماء تقع عند الصخرة، يُقال إنها تُسمى عين الحياة، وقد رُدّت الروح إلى الحوت بعدما شرب من ماء تلك العين، فهرب في البحر، وقد روي عن النبي الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: "وفي أصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الحَيَاةُ لا يُصِيبُ مِن مَائِهَا شيءٌ إلَّا حَيِيَ"، ليبين بذلك مدى عظمة تلك العين.
منع الله -تعالى- جريان الماء في المكان الذي هرب فيه الحوت حتى يظل الأثر ظاهرًا لموسى، وعندما استيقظ تابع سيره دون أن يتفقد الحوت، قال تعالى: "وَإِذ قالَ موسى لِفَتاهُ لا أَبرَحُ حَتّى أَبلُغَ مَجمَعَ البَحرَينِ أَو أَمضِيَ حُقُبًا"، وبعد أن تجاوزا الموقع الذي أُمر موسى بالتوقف عنده، شعر بالتعب والجوع، فطلب من فتاه بعض الطعام.
وفي تلك اللحظة، تذكر يوشع أمر الحوت الذي هرب عند الصخرة، وأخبر موسى بالأمر، قال تعالى: "قالَ أَرَأَيتَ إِذ أَوَينا إِلَى الصَّخرَةِ فَإِنّي نَسيتُ الحوتَ وَما أَنسانيهُ إِلَّا الشَّيطانُ أَن أَذكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبيلَهُ فِي البَحرِ عَجَبًا"، فقررا العودة إلى مكان الصخرة، وعند وصولهما وجدا العبد الصالح هناك، الذي كان في انتظار موسى -عليه السلام-.
لقاء النبي موسى مع الخضر
عندما التقى موسى -عليه السلام- بالعبد الصالح وهو الخضر، سلّم عليه وأخبره بأنه جاء ليطلب منه العلم، عرف الخضر موسى وأخبره بأن الله قد أطلعه على علمٍ ليس في متناول موسى، وأن عليه أن يصبر إذا أراد الصحبة، قال تعالى: "قالَ لَهُ موسى هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمتَ رُشدًا".
أصر موسى -عليه السلام- على مرافقة الخضر، فوضع الخضر شرطًا، وهو ألا يسأله عن أي شيء حتى يُبيّن له هو ما غاب عنه، قال تعالى: "قالَ فَإِنِ اتَّبَعتَني فَلا تَسأَلني عَن شَيءٍ حَتّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكرًا"، وبدأ الاثنان في السير على ساحل البحر حتى جاءتهما سفينة.
خرق الخضر للسفينة
وركب موسى والخضر السفينة بعد أن وافق أهلها على نقلهما دون مقابل، وعندها قام الخضر باقتلاع لوح من السفينة بشكل فاجأ موسى. قال تعالى: "فَانطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفينَةِ خَرَقَها"، فاستنكر موسى هذا الفعل وذكّره الخضر بالشرط، فاعتذر موسى موضحًا أن تعليقه كان نسيانًا.
قتل الخضر للغلام
وعندما نزلا من السفينة، شاهدا غلامًا يلعب، فإذا بالخضر يقتله، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "فأخذَ الخَضِرُ برَأْسِهِ مِن أعْلَاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بيَدِهِ"، لم يستطع النبي موسى أن يصمت وعبّر عن استنكاره، فنبهه الخضر مرة أخرى، فاعتذر موسى ووعد بألا يسأله مجددًا.
بناء الخضر للجدار
واصل الاثنان سيرهما حتى وصلا إلى قرية وطلبا من أهلها طعامًا فرفضوا، وبينما كانا هناك، رأى الخضر جدارًا مائلًا على وشك السقوط، فقام بتعديله، فاستغرب موسى قائلاً إنه كان بإمكانه طلب أجرٍ مقابل ذلك، ليتمكنا من شراء الطعام، فأخبره الخضر بأن وقت فراقهما قد حان، وسيشرح له ما فعله.
قال الخضر: "أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَت لِمَساكينَ يَعمَلونَ فِي البَحرِ فَأَرَدتُ أَن أَعيبَها وَكانَ وَراءَهُم مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصبًا"؛ وشرح لموسى أن الضرر كان لحماية السفينة من الملك الظالم.
وعن قتل الغلام، أوضح الخضر أن الغلام كان جاحدًا وكان أبواه مؤمنين، وخاف أن يجرهما إلى الكفر، فأراد الله أن يرزقهما بطفل صالح. قال تعالى: "وَأَمَّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤمِنَينِ فَخَشينا أَن يُرهِقَهُما طُغيانًا وَكُفرًا".
أما عن الجدار، فكان تحته كنزٌ ليتيمن في القرية، وأراد الله أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما، وذلك بسبب صلاح أبيهما، ليبين الله بذلك أهمية رعاية الذرية.