هل التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين وَالشهداء؟ .. موقف للإمام أبو حنيفة يوضح

من يربح الجنة .. عرضت قناة النهار نور الحلقة الرابعة من برنامج من يربح الجنة، الشيخ عبدالسلام عبدالمنصف، وتحدث خلالها عن الأمانة، حيث بدأ الحلقة بحكاية توضح أخلاق الأئمة، فكان الإمام أبو حنيفة تاجر قماش، وكان بجانب علمه يعلم بعض الناس، وكان أيضًا يعمل بالتجارة في القماش مهنةً يكسب منها حلالًا طيبًا.
قصة الإمام أبو حنيفة والأمانة في التجارة
وتابع الشيخ عبدالسلام عبدالمنصف: "في مرة من المرات، كان الإمام أبو حنيفة يعيش في الكوفة، وكان له شريك في مصر يسمى بشر، في أحد الأيام أرسل أبي حنيفة إلى شريكه وصديقه بشر سبعين قطعة من الثياب، وقال له: خلي بالك، في واحد من الأثواب فيه عيب، فلا تبعه إلا بعد أن تخبر المشتري بالعيب الذي فيه".

بشر رحمه الله أخذ الأثواب لكنه نسي تمامًا الشرط الذي قاله له الإمام، فباع كل الأثواب ولم يخبر المشتري بالعيب في ذلك الثوب، وبعد البيع، أرسل الأموال إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندما استلم الإمام أبو حنيفة المال، لم ينسى، بل سأل بشرًا: "هل أخبرت المشتري عن العيب في الثوب؟ أم أنك نسيت؟، فقال بشر: لقد نسيت يا إمام".
وكانت هذه الصفقة بمقدار ألف درهم، وهو مبلغ عظيم جدًا في ذلك الوقت، لكن الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه لم يكن يغش أبدًا في المال، فقال له: "إذا كنت قد نسيت، فهذا المال كله فيه شبهة"، فتصدق الإمام بجميع مال الصفقة، الألف درهم كاملة، رغم أنها كانت تضم رأس المال والربح، تصدق بها كلها لأنه شعر أن فيها شبهة، وهنا قال الجملة العظيمة التي بدأنا بها حديثنا: "مال قد دخلت فيه الشبهة، فلا حاجة لي بها".
فضل الأمانة ومكانتها في الإسلام
وأضاف قائلًا حول التاجر الأمين: وبهذا فإن التاجر الصدوق الأمين لا يضمن فقط مقعدًا في الجنة، بل يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء، وليس هذا قولي، بل قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة"، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون"، وقال الله تعالى في آخر الصفات الطيبة التي ذكرها في صفات المؤمنين: "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"، فالإنسان الأمين واحد من الذين يفوزون بالجنة يوم القيامة.

العقبات التي تواجه الشخص الأمين
الشخص الأمين دائمًا ما يواجه صعوبات، عقبات، وموانع تحاول أن تجعله يتخلى عن صفة الأمانة، ويمكن أن نحصر هذه العقبات في أربع مشكلات رئيسية:
- الإغراءات والفتن: أكبر فتنة يتعرض لها الأمين، خاصةً إذا كان في منصب معين، هي الفتنة التي تحاول أن تستدرجه لاستغلال منصبه بطرق غير شرعية، وهذا ما نبه عليه سيدنا موسى عليه السلام حين قال لقومه: "عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكُ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ"، وهذا يعني: ربنا قد يمكنكم يومًا، وفي ذلك اليوم ستكونون مختبرين، هل ستظلون أمناء أم ستنحرفون؟
- تحمل المسؤولية الكبيرة: الشخص الأمين يمكن أن يجد نفسه تحت ضغوط مادية أو بدنية كبيرة، وفي هذه اللحظات، الشيطان يمكن أن يوسوس له باللجوء إلى طرق غير شرعية، وفي هذا السياق، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث خطير جدًا: "يأتي على الناس زمان، يكون هلاك الرجل فيه على يدي زوجته وأبويه وأولاده، يعيرونه بالفقر، ويكلفونه ما لا يطيق، فيهلك"، وهذا ما نراه في المجتمع اليوم، حيث يضغط الناس على الرجل ليكسب المال بأي وسيلة، حتى لو كانت غير مشروعة.
- الغدر والخيانة: أحيانًا الشخص الأمين يثق في أحدهم، ثم يتعرض للخيانة، وفي هذه اللحظة يكون في اختبار شديد جدًا: هل يظل أمينًا أم يعامل الناس بنفس خيانتهم؟، وهنا يأتي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك".
- بيئة عمل غير مناسبة للأمانة: قد يكون الشخص الأمين يعمل في بيئة مليئة بالفساد، وهنا يشعر أنه غريب بين الناس، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر هؤلاء بقوله: "طوبى للغرباء"، والأمانة لا تقتصر فقط على المال، بل تشمل حفظ عرض الآخرين أيضًا، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ".

كيف نحافظ على الأمانة؟
- وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
- تعليم الأبناء الأمانة باستخدام الثواب والعقاب.
- فهم أن الأمانة من أساسيات الدين، كما قال عمر بن الخطاب: "لا يغرني صلاة امرئ ولا صومه، فمن شاء صلى ومن شاء صام، لا دين لمن لا أمانة له".
- التفكير في الآخرين كما نفكر في أنفسنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للشاب الذي طلب الإذن بالزنا، وأقنعه بعدم فعله لأنه لا يرضاه لأهله.