ماذا حدث في ليلة النصف من شعبان ؟.. لحظة فارقة في التاريخ الإسلامي
![ماذا حدث في ليلة](/UploadCache/libfiles/31/3/800x450o/473.jpg)
يزداد البحث منذ بداية شهر شعبان 2025، عن موعد ليلة النصف من شعبان، لما لها من أهمية كبيرة في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث تشهد هذه الليلة ذكرى تحول عظيم في حياة المسلمين، وهو تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في مكة التحول الذي كان بمثابة اختبار عظيم لإيمان المسلمين، ليظهر من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم بصدق، ومن يظل على تحيزه لأفكار الجاهلية التي كانت تملأ قلوب بعض الناس.
قصة تحويل القبلة
كان يتوجه المسلمين في صلاتهم نحو المسجد الأقصى، وذلك لحكمة تربوية، وهي العمل على تقوية إيمان المؤمنين، وليظهر مَن يتبع الرسول اتباعًا صادقًا عن اقتناع وتسليم، ممن تعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها، لقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143].
وفي تلك الليلة المباركة، كانت هناك حاجة لتأكيد القيم التربوية التي تعلم المسلمين الانقياد المطلق لله تعالى، والتسليم الكامل لأوامره، حيث يعكس التوجه إلى الكعبة طاعة لله واتباعًا لرسوله، فقد كان هذا التوجيه بداية لمرحلة جديدة من الإيمان والتقوى، وشدد على ضرورة تعظيم شعائر الله، حيث تكون عبادة القبلة دليلًا على استقامة المسلم ورغبته في اتباع الدين الحق، وكان تحويل القبلة دعوة للمؤمنين للتعلم والتطور في عبادتهم، مما يُقوي الرابط الروحي بينهم وبين الله.
![](/Upload/libfiles/31/7/605.png)
ماذا حدث في ليلة النصف من شعبان؟
ورد أن ليلة الخامس عشر من شهر شعبان تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في مكة المكرمة، فقد ذكر بعض المؤرخين أن تحويل القبلة كان في الخامس عشر من شعبان، في السنة الثانية للهجرة، ويوافق نوفمبر 623م، بينما هناك قول آخر بأن تحويل القبلة كان في منتصف شهر رجب.
وفي هذه الليلة المباركة، كرم الله سبحانه وتعالى نبيه – صلى الله عليه وسلم - بأن طيب خاطره بتحويل القبلة، لتقر عينه، فقلبه معلق بمكة، ويمتلئ شوقًا وحنينًا إليها، إذ هي أحب البلاد إليه، وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينة المنورة، التي شرفت بمقامه الشريف، فخرج ووقف على مشارف مكة المكرمة، قائلًا: «والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (رواه الترمذي).
فكان النبي يدعوا الله أن تكون القبلة لمكة المكرمة، فنزل في ليلة النصف من شعبان بعد صلاة الظهر الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بأنه تم تحويل القبلة وذلك في قوله تعالى: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ"، فأخبر من معه وصلوا صلاة العصر في اتجاه الكعبة المشرفة، وخرج شخص فرأى بعض المسلمين يؤدون صلاة العصر وفي الركعة الثانية، فأخبرهم بأن الوحي أمر النبي بتغيير القبلة فقاموا بالتوجع للكعبة وأكملوا الصلاة، لذا سمي المسجد بمسجد القبلتين.
وهناك رأي آخر يقول أن النبي كان في صلاة جماعية واختلفوا هل هي الظهر أم العصر، حين نزل الوحي وأمره بتغيير القبلة فغير النبي اتجاهه أثناء الصلاة، وتبعه المصلون.
![](/Upload/libfiles/31/7/604.jpg)
فضل ليلة النصف من شعبان
تعد ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة، حيث يغفر الله لعباده، إلا لمشرك أو مشاحن، كما جاء في الحديث الشريف عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: «يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِرُ لجميع خلقِه إلا لمشركٍ، أو مُشاحِنٍ».
كما جاء في حديث آخر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «قام رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- من اللَّيلِ يُصلِّي، فأطال السُّجودَ حتَّى ظننتُ أنَّه قد قُبِض، فلمَّا رأيتُ ذلك قُمتُ حتَّى حرَّكتُ إبهامَه فتحرَّك فرجعتُ، فلمَّا رفع إليَّ رأسَه من السُّجودِ وفرغ من صلاتِه، قال: يا عائشةُ -أو يا حُميراءُ- أظننتِ أنَّ النَّبيَّ قد خاس بك؟ قلتُ: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، ولكنَّني ظننتُ أنَّك قُبِضْتَ لطولِ سجودِك، فقال: أتدرين أيُّ ليلةٍ هذه؟ قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: هذه ليلةُ النِّصفِ من شعبانَ، إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يطَّلِعُ على عبادِه في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ، فيغفِرُ للمُستغفِرين، ويرحمُ المُسترحِمين، ويؤخِّرُ أهلَ الحقدِ كما هُم».
![](/Upload/libfiles/31/7/600.jpg)
الاحتفال بليلة النصف من شعبان
أرشدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى فضل هذه الليلة العظيمة وكيفية الاحتفال بها من خلال الأعمال الصالحة، وجاء الاستغفار من أفضل الأعمال التي ينبغي القيام بها لإحياء ليلة النصف من شعبان، حيث إن الله تعالى يطلع فيها إلى عباده، ويغفر للمستغفرين، ويرحم من يطلبون عفوه ورحمته.
ويكون الاحتفال بها كذلك بتلاوة القرآن والذكر والتذكير، والصدقات، وإطعام الطعام، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا...؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجه.
![](/Upload/libfiles/31/7/601.webp)
أسرار ليلة النصف من شعبان
جاء أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام جاء لحكمة عظيمة، فقد كان التحويل الأول إلى المسجد الأقصى لأغراض تربوية، ثم جاء التحويل الثاني إلى الكعبة تكريمًا للرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن تحويل القبلة في البداية كان لاختبار قلوب المؤمنين وتنقية النفوس من رواسب الجاهلية.
ويظل تحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان علامة فارقة في تاريخ الإسلام، حيث كانت هذه الليلة بداية جديدة لتعظيم شعائر الله، والامتثال لأوامره، وتجديد العهد مع الله بالطاعة والعبادة، والاستفادة من نفحات هذه الليلة المباركة.