ندوة "الفتوى والعالم الرقمي" بمشاركة مفتي الجمهورية في معرض القاهرة الدولي للكتاب
شهد الجناح الخاص بوزارة الثقافة داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب، انعقاد ندوة متميزة حاضر فيها الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
جاءت الندوة تحت عنوان "الفتوى والعالم الرقمي"، حيث استعرض المفتي أهمية الفتوى في العصر الحديث، ودورها في مواكبة التطورات التكنولوجية، مشددًا على ضرورة توظيفها بما يخدم الواقع المعاصر ويحقق الاستقرار المجتمعي.
أهمية الفتوى وضوابطها الشرعية
وأكد مفتي الجمهورية أن الفتوى تُعد أمانة عظيمة تولّاها الله سبحانه وتعالى، ثم أنبياؤه وأتباعهم من العلماء والمجتهدين، مشيرًا إلى أن انتشار الفتاوى المتشددة في الآونة الأخيرة أثار قلقًا متزايدًا، مما يعزز أهمية إصدار الفتاوى بضوابط شرعية تحقق السلم والأمن في المجتمع.
وأوضح أن مهمة الإفتاء لا ينبغي أن تخضع للتسرع أو العشوائية، بل تتطلب دراسة متأنية تراعي مقاصد الشريعة ومتطلبات العصر، لضمان تقديم إجابات تحقق المصلحة العامة.
التوازن بين النصوص الدينية ومتغيرات الواقع
وشدد عياد على أن الفتوى لا بد أن تحقق توازنًا دقيقًا بين الأحكام الشرعية والثوابت الدينية من جهة، وبين المستجدات الحياتية من جهة أخرى، مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.
وأضاف أن النوازل المعاصرة تستدعي اجتهادًا علميًّا عميقًا، بعيدًا عن الاجتهادات السطحية التي قد تفتقر إلى الرؤية الدقيقة.
التنوع الفكري وأثره على الفتوى
وتطرق المفتي إلى التحديات التي تواجه الفتاوى المعاصرة، وعلى رأسها التعدد الفكري والديني داخل المجتمعات، حيث يتطلب الأمر تقديم فتاوى تأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي والمعرفي للجمهور المستهدف.
وبين أن عدم مراعاة هذه الجوانب قد يؤدي إلى انحرافات فكرية تتسبب في انتشار التشدد أو الانفلات الديني، مما يؤثر على صورة الإسلام عالميًا.
تجديد الخطاب الديني ودوره في الفتوى
ولفت إلى أن التجديد في الخطاب الديني يمثل أحد المحاور المهمة في تطوير عملية الإفتاء، موضحًا أن البعض يسيء فهم مفهوم التجديد، فيتصوره خروجًا عن القواعد الشرعية، في حين أن المؤسسات الدينية تتبنى تجديدًا مستندًا إلى أصول الفقه والعلوم الشرعية، يهدف إلى تحقيق مصالح الناس دون المساس بالثوابت الدينية.
وذكر أن الإفتاء ليس مجرد منصب أو شرف، بل هو مسؤولية كبرى تستوجب العلم العميق والورع، مؤكدًا أن المفتي بمثابة القاضي، فإن أصاب الحق كان له أجر، وإن أخطأ بغير علم أو انحاز لهوى فقد يكون في موضع مساءلة أمام الله.
دور الذكاء الاصطناعي في الفتوى
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من المشهد المعرفي الحديث، ورغم سرعته في تقديم الإجابات، فإنه قد يعاني من نقص الدقة، خصوصًا في المحتوى العربي.
وشدد على ضرورة توخي الحذر عند استخدامه في المسائل الشرعية، مشيرًا إلى أهمية تدخل المؤسسات الدينية لضمان دقة المعلومات المتداولة عبر هذه التقنيات.
جهود دار الإفتاء المصرية في تطوير الفتوى الرقمية
ونوه عياد أن دار الإفتاء المصرية كانت رائدة في استخدام التكنولوجيا لخدمة الفتوى، مشيرًا إلى أن المؤتمر الأخير الذي نظمته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تناول بعمق آليات توظيف الفضاء الرقمي في الإفتاء.
وأكمل أن الدار بدأت بالفعل تجربة إصدار بعض الفتاوى باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها لا تزال في مرحلة تجريبية تشمل مواضيع محددة في العبادات.
وتابع: إن الذكاء الاصطناعي يتمتع بعدة مزايا، مثل قدرته على تصنيف الموضوعات بسرعة وتقديم معلومات منظمة، لكنه في المقابل قد يعتمد على مصادر أجنبية غير دقيقة في بعض الأحيان، مما يستلزم مراجعة دقيقة لضمان موثوقية الفتاوى المستخرجة من هذه الأنظمة.
توصيات حول مستقبل الفتوى الرقمية
وشدد مفتي الجمهورية، على أن الذكاء الاصطناعي يمثل نعمة يمكن توظيفها لخدمة المجتمع إذا استُخدم بحكمة، مطالبًا المؤسسات الدينية بمواصلة مراقبة تطوراته عن كثب، والتأكد من أن الفتاوى الرقمية تتماشى مع الشريعة الإسلامية، بما يحقق الفائدة المرجوة للمجتمع.