بعد إعلان تنحيه من منصبه.. تشدد رئيس كوريا الجنوبية قاده إلى الهاوية

تعد رئاسة يون سيوك يول، رئيس كوريا الجنوبية، واحدة من أكثر العقود المثيرة للجدل في تاريخ البلاد الحديث، حيث انتهت نهاية مأساوية بعد إعلان قصير عن فرض الأحكام العرفية. لم يكن هذا القرار مجرد زلة سياسية فحسب، بل كان تتويجًا لفترة رئاسية مليئة بالأزمات والتحديات.
عندما فاز يون في انتخابات مارس 2022 بفارق ضئيل، كان قد بدأ ولايته وسط حالة من الانقسام السياسي في البلاد. كان يون، الذي تحول من مدعٍ عام إلى سياسي، قد قدم نفسه كرمز للتيار المحافظ، ما جعله يحظى بدعم كبير من فئة الشباب الذكور من خلال وعوده بإلغاء وزارة المساواة بين الجنسين وإنكار وجود تمييز منهجي ضد النساء في كوريا الجنوبية. ولكن سرعان ما تحول حلمه السياسي إلى كابوس، حيث ظل معدل تأييده حول 35% طيلة العامين الأولين من حكمه.
وتعد أحد أبرز العوامل التي أسهمت في تدهور شعبيته كان تورط زوجة رئيس كوريا الجنوبية، كيم كي-هي، في فضائح فساد، بما في ذلك تلقي هدايا غير قانونية، من بينها حقيبة ديور بقيمة 1,655 جنيه إسترليني من قسٍ ديني، بالإضافة إلى اتهامات بالتلاعب بالأسهم. أما حادثة تدافع إتايون في أكتوبر 2022، التي أسفرت عن مقتل 159 شخصًا، فقد كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث اتهمت عائلات الضحايا السلطات بمحاولة تبرير الحادثة بشكل غير لائق عبر إلقاء اللوم على الضحايا أنفسهم.
مع مرور الوقت، ظهرت ملامح النزعة الاستبدادية في طريقة حكم يون. ورغم كثرته في الحديث عن "الحرية" في خطاباته، فقد كانت حكومته تسلك طريقًا معاديًا لحرية الصحافة، عبر شن حملات مداهمة على مكاتب وسائل الإعلام وبيوت الصحفيين، إلى جانب توجيه العديد من القضايا القانونية ضد الصحفيين الذين لم يعجبهم تغطيتهم. كما أصدرت الحكومة تحذيرات علنية بشأن رسومات كاريكاتيرية سياسية كان أبرزها رسم لطالب ثانوي صور فيه يون كقطار هارب، مما يبرز الطبيعة الاستبدادية المتزايدة في إدارة شؤون الدولة.
كان إعلان الأحكام العرفية بمثابة نقطة تحول حاسمة في مسار حكمه. إذ قوبل هذا القرار باحتجاجات حاشدة من مختلف فئات الشعب، لاسيما الشباب الكوري الجنوبي، الذين يعانون من خيبة الأمل تجاه النظام السياسي القائم. وظهرت شريحة من المحتجين يحملون عصي الإنارة الخاصة بفرق "كي-بوب" كرمز للمقاومة. بالنسبة لجيلين شهدوا أهوال كارثة العبارة "سويل" وحادثة تدافع إتايون، كان قرار يون بمثابة جرح عميق في ثقتهم بالدولة.
الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل إن الجيل الأكبر سناً الذي عاصر حكم الديكتاتورية العسكرية في كوريا الجنوبية، خرج إلى الشوارع احتجاجًا على القرار. في مشهد درامي، قامت قوات خاصة بتحطيم نوافذ البرلمان لدخول المبنى، مما فجر مزيدًا من الغضب الشعبي.
رغم أن حزب "قوة الشعب" الحاكم عرض عليه فرصة للخروج المشرف بعد فشل أول تصويت على المساءلة نتيجة المقاطعة، اختار يون بدلاً من ذلك أن يصر على موقفه، مدافعًا عن قرار فرض الأحكام العرفية باعتباره "تصرفًا مشروعًا". لكن هذا التصلب في المواقف أدى إلى انهيار دعم الحزب والمجتمع. ومع تدني نسبة التأييد إلى 11%، بدأ حتى الإعلام المحافظ في التحول ضده. وفي تصويت آخر على المساءلة، انضم 12 من أعضاء حزبه إلى المعارضة، ليحققوا الأغلبية المطلوبة لإقالته.
وبذلك، يواجه يون سيوك يول مصيرًا مشابهًا لذلك الذي مر به الرئيس السابق بارك جون-هاي، الذي ساهم هو شخصيًا في الإطاحة به عبر المساءلة في عام 2017. إن سقوط يون يمثل تحولًا لافتًا في مسار حياته السياسية، إذ سقط ضحية لنهجه الاستبدادي في التعامل مع المعارضة، وهو ما كان في يوم من الأيام يعارضه بشدة.