بعد تعطل منصات شركة ميتا لعدة ساعاتٍ يوم أمس الأربعاء 11 ديسمبر 2024، أصابني حالة من الألم في أطرافي وشعرت بغصة في صدري، بسبب ابتعادي عن وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة منشورات أصدقائي والأحداث الجارية من حولي، - فأنا أقر وأعترف أنني من مدمني وسائل التواصل بحكم عملي في مهنة الصحافة - لم أكن أدري أنني متعلقٌ هكذا بتلك المنصات كغيري من الملايين وسرعان ما امتطيت عباب عقلي وأخذت أفكر في حالي وحال أقراني.. لكن وفي ظل هذا التفكيرالعميق المُحلى بالألم ورد إلى خاطري سؤالٌ في غاية الأهمية هل التعلق بالأشياء مرض؟ وإن كان مرض فلماذا نتعلق إذًا؟ وبعد البحث لساعات وقراءة العديد من المقالات انتهى بي المطاف لكتابة هذا المقال عن التعلق المرضي.
ما هو التعلق المرضي ؟
ما هو التعلق المرضي ؟.. التعلق المرضي هو حالة نفسية قد يمر بها أي شخص في مرحلة من مراحل دخوله في علاقة جديدة، وغالبًا ما يكون مصاحبًا لمرحلة الإعجاب أو "الإنبهار" التي تصاحب مراحل الحب الأولى أو الإعجاب بشخص ما.
وتتميز هذه الحالة بشعور الفرد بالضعف وفقدان الإرادة، حيث يصبح مركز اهتمامه الوحيد هو الشخص الذي يرتبط به، إلى درجة أنه قد يفقد القدرة على التركيز على أي شيء آخر في حياته لمجرد أن هذا الشخص غاضب أو متأثر، وتعد هذه الحالة مرضية بامتياز، وقد تنطبق عليها المقولة الشهيرة: “لا أتمناها لألد أعدائي”.
وفي البداية، دعوني أقدم لكم نفسي: لست هنا لأتحدث عن مفاهيم نظرية أو تفسيرات معقدة، بل أنا شخص يهمه أن يقدّم لك الخير ويسعى إلى تبسيط المفاهيم المعقدة بلغتي البسيطة، دعونا نواصل الحديث.
لماذا نتعلق ؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا نميل للتعلق؟ ولماذا يتحول التعلق أحياناً إلى مرض؟ ولنفهم هذه المسألة، يمكننا تلخيص أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى التعلق المرضي:
- الفشل في علاقة سابقة: قد يكون الفشل العاطفي في علاقة سابقة دافعًا قويًا للبحث عن شخص آخر يعوض هذا الفشل، ويشغل الفراغ العاطفي الذي يشعر به الفرد بعد العلاقة السابقة.
- الإنبهار: الإعجاب المفرط بشخص ما، وخاصة في بداية العلاقة، قد يؤدي إلى تعلق سريع، وهو ما قد يتطور إلى مرضي إذا لم يتم التعامل مع هذا التعلق بحذر.
- الوحدة والفراغ العاطفي: قد يكون الفرد في حالة من الوحدة أو الفراغ العاطفي، خاصة إذا كان يعاني من نقص في الحب والدعم من عائلته أو من محيطه الاجتماعي، مما يجعله عرضة للتعلق السريع بشخص آخر يعوض هذا الفراغ.
هل للتعلق علاج ؟
الإجابة هي نعم، يمكن علاج التعلق المرضي، ولكن العلاج يتطلب إرادة قوية وقرارًا حاسمًا من الشخص المعني، ويجب أن يكون الشخص على يقين بأن من يتعلق به ليس محط الكون وأن الحياة لا تتوقف على علاقة واحدة مهما كانت قوتها أو أهميتها.
أولاً، يجب أن يدرك الفرد أن التعلق الزائد بالأشخاص ينبع من شعوره بالحاجة، الحل لهذا التعلق يكمن في تعلم حب النفس وتقبلها، والاهتمام بها ، وينبغي أن يكون الدافع الأكبر في حياتنا هو أنفسنا وأسرنا.
وإذا كانت الأسرة غير قادرة على تقديم الدعم الكافي، يجب أن يصبح الشخص هو مصدر الدعم لنفسه، ويكون واعيًا بذاته وقيمته.
التعلق في عصر السوشال ميديا
أصبح التعلق المرضي في العصر الحالي أكثر تعقيدًا نتيجة تأثير السوشيال ميديا، التي سهلت التواصل بين الأشخاص وأتاحت لهم الفرصة للتعرف على التفاصيل الدقيقة عن حياتهم الشخصية.
وفي عصر الانفتاح هذا، أصبح أي شخص قادرًا على معرفة اهتماماتك وأصدقائك، وحتى تفاصيل حياتك اليومية، من خلال صفحاتك الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، إنستجرام، وتويتر.
هذه المعلومات أصبحت أرضًا خصبة لأشخاص معدومي الضمير، الذين يستغلون غياب الأهل أو انشغالهم، ويبحثون عن ضحايا من الأشخاص الذين يعانون من الفراغ العاطفي، سواء كانوا رجالاً أو نساء، هؤلاء الأشخاص لا يتورعون عن استغلال مشاعر الآخرين لأهدافهم الخاصة، وهو ما يضاعف من خطورة التعلق المرضي في هذا العصر.
خُلاصة البحث والتحليل.. لا تتعلق
التعلق المرضي ليس ظاهرة طبيعية أو صحية، بل هو حالة نفسية تؤثر سلبًا على الشخص، وتزيد من معاناته في حياته العاطفية والشخصية.
ومن هنا، يجب على كل فرد أن يحترم ذاته أولًا، ويعزز من قيمته الشخصية، وأن لا يسمح للآخرين بالتأثير عليه بهذا الشكل السلبي، يجب أن يكون لدى الشخص الوعي الكافي بأن التعلق بالأشخاص ليس هو الحل للفراغ العاطفي، بل هو السبب في تعميق هذا الفراغ.
وأخيرًا، يجب أن نعلم أن الحياة ليست دار بقاء، بل هي محطة قصيرة يجب أن نعيشها بما يرضي الله، وأن التعلق بأي شخص قد يؤدي إلى ألم نفسي، في حين أن التعلق بالله هو الأمل الحقيقي.
إن حياة الإنسان هي فرصة لزيادة التقوى والاقتراب من الله، وبتحقيق ذلك، يمكن للإنسان أن يجد السلام الداخلي، ويكون على يقين أن الحياة كلها اختبار، وفي النهاية هو إما الجنة أو النار، ويكون الفائز من استغل هذا الاختبار بحكمة ورضا الله.. أرجوا من الله لكم جميعًا حياة مليئة بالسلام الداخلي والرضا والسعادة.