الخميس 26 ديسمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

بعد تكريمها من قرينة الرئيس.. هدير شلبي تفتح أبواب الرزق لأبطال التحدي

هدير شلبي
هدير شلبي

هدير شلبي قصة نجاح .. على يدها التي فقدت أنوثتها تحت وطأة العمل الشاق، حفرت الشقوق أخاديد قاحلة، تنقش قصصاً من الصبر والتحدي. يداها، اللتان امتلأتا بصلابة تكاد تعادل أيدي الرجال، تُشيران إلى حياة لا تعرف الاستسلام. مع بزوغ أول خيوط شمس الضحى على قرية بلشمط التابعة لمحافظة المنوفية، تغادر "و" منزلها، تاركة وراءها طفلين يذوبان في دفء الأم، وتغادر هي في رحلة شاقة لقطف الفواكه من الجبال. هي أم عاملة، تكافح من أجل لقمة العيش، تخفي أنوثتها وراء جلباب رجالي، لتصبح جزءاً من معركة يومية لا نهاية لها بين الجوع والشقاء.

"بين شقي رحى .. إما الجوع أو الشقى"


"و" تقضي ما يقارب 20 ساعة يومياً في الجبال، جنبًا إلى جنب مع الرجال، تخفي عيونها خلف وشاح لتجنب نظراتهم، وتحاول أن تمحو آثار جمالها وسمرتها، فقط لكي تعيش، لكي تجد ما تسد به جوع أطفالها. ساعات طويلة من العمل الشاق، تتنقل بين الجبال، تبحث عن فاكهة تبيعها لسد رمق العائلة، لكن العمل لا يخلو من ألم وصعوبة. ولكن في تلك اللحظات، وبينما هي تكافح، كان القدر يخبئ لها شيئاً آخر.

"حرفتك مشروع"


وفي عالم آخر، كانت "هدير شلبي"، الطالبة في كلية الهندسة، تفكر في مشروع تخرجها. كانت في عامها الأخير، تبحث عن فكرة مميزة لمشروع يتجاوز مجرد الأفكار التقليدية. وكأن القدر كان يهمس في أذنها، فتقودها الصدفة إلى "و ل"، وإلى قصتها التي تمثل قصة كفاح لا نهاية لها. قصة المرأة التي تعمل دون توقف، في ظروف لا إنسانية، فقط لكي تسد جوع أطفالها. كانت تلك اللحظة هي الشرارة التي ألهمت "هدير" لإطلاق مشروعها "Freeziana"، وهو مشروع يهدف إلى دعم السيدات في الريف والمناطق العشوائية، وتعليمهن حرفاً إبداعية مثل صناعة السجاد والفخار، التصميمات النحاسية، الخياطة، والتطريز، وغيرها. كان حلم "هدير" أن تخلق فرص عمل آدمية للسيدات، وتوفر لهن رواتب مجزية تساعدهن على مواجهة مشقة الحياة.

"هدير شلبي تنطلق نحو الحلم"


مع كل خطوة نحو النجاح، كانت "هدير شلبي" تثبت أن الإرادة وحدها تستطيع أن تخلق العظمة. لم تكتفِ بالشهادات الأكاديمية، بل كانت تسعى لاكتساب الخبرة العملية، فكانت من أولى المشاركات في منحة "TIEC" التابعة لوزارة الاتصالات، والتي ساعدتها على اكتساب مهارات في إدارة الأعمال والتسويق. ومن ثم، بدأت في توسعة مشروعها، فأنشأت خمس وحدات إنتاجية في القرى البسيطة في صعيد مصر، حيث توفر العمل لما يزيد عن 200 ألف سيدة.

التعليم والتدريب.. سلاح التمكين
تقدم "Freeziana" دورات تدريبية شاملة، من تعليم الحرف اليدوية والفنية، إلى كيفية التسويق وإدارة الأعمال. لا تقتصر المهمة على تعليم السيدات فحسب، بل تشمل أيضًا توفير فرص عمل حقيقية لهن. ومن خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة، يتم تسويق منتجاتهن داخل وخارج مصر، لفتح أبواب جديدة للرزق وتحقيق الاستقلال المالي. هذا ليس مجرد مشروع تجاري، بل هو رحلة لتمكين النساء في المناطق الأكثر احتياجًا، توجت بتكريم من عقيلة السيدة انتصار السيسي كواحدة من ضمن ٢٠ سيدة مؤثرة وذات أثر في مصر .
 

"أبطال وراء الكواليس"


وراء كل قصة نجاح، هناك العديد من الأبطال الذين لا يظهرون في الأضواء، ولكنهم يمثلون الدعامة الأساسية للاستمرار. في حالة "هدير"، كان والدها وزوجها أحد هؤلاء الأبطال الذين وقفوا بجانبها في كل خطوة، وأيدوا مشروعها بكل قوة. كما أن السيدات اللاتي التحقن بمشروعها، اللواتي لم يتوقعن يومًا أن تُفتح أمامهن أبواب الأمل، أصبحن أبطالًا صغارًا في قصتها. هي تلك الوجوه التي تحمل في عيونها البريق والأمل، وهي التي ألهمت "هدير" لتستمر في مسيرتها، لتزرع البسمة على وجوههن، وتحقيق حلمهن.

ختامًا: رحلة مستمرة نحو الأمل
"هدير شلبي" لم تقتصر طموحاتها على مجرد تقديم مشروع أو خدمة، بل كانت تطمح إلى رسم خريطة جديدة للحياة بالنسبة للنساء في الريف والمناطق العشوائية. كان حلمها أن تبني شبكة من الحرفيين المهرة الذين يمكنهم العمل بكرامة، وأن تحقق لهم فرصاً تتيح لهن اكتساب رزقهن بعزة نفس.

تظل قصتها بمثابة رموز للمثابرة، والإصرار، والرغبة في الحياة رغم كل الصعوبات. فبينما كان "و ل" تقاوم مصيرها كل يوم في الجبال، كانت "هدير" تقاوم الظروف وتواصل بناء جسر من الأمل، لتلتقي القصتان في نقطة واحدة: المرأة التي تقف، مهما كانت العواصف، لتكتب قصتها بنفسها.

 

 

 

 

تم نسخ الرابط