جاليري يوسف.. حكاية عاشق العلم الذي أتاحه مجانًا للباحثين| صور
في قلب الدقهلية، بين أروقة جاليري "يوسف"، يفتح الدكتور يوسف أبواب الجاليري الخاص به الذي لا يقتصر على كونه معرضًا للتحف، بل هو فضاء ثقافي يعكس فلسفته في الحياة، ويفتح أبوابه للطلاب والباحثين.
ويوسف السناري، صاحب "جاليري يوسف"، باحث ومؤلف يعكف على دراسة التراث بكل شغف، ولا تكاد كتبه تعد أو تحصى، إذ تجاوزت الثلاثين مؤلفًا بعضها يدرس في المناهج التعليمية في مختلف الدول العربية والإماراتية، وقد نال شرف الإقامة الذهبية في الإمارات، تقديرًا لإبداعه وتأثيره البالغ في المشهد الثقافي العربي، ومع ذلك اختار أن يظل في أرضه مصر، التي تعتبر بالنسبة له ينبوعًا لا ينضب من المعرفة والذاكرة التاريخية هناك وبين ضجيج الحياة اليومية، التزم الدكتور يوسف بتوثيق تاريخ المخطوطات القديمة، ليقف مع كل ورقة وكل خط، كما لو كان يعيد كتابة صفحات التاريخ المفقودة.
اهتمامه بالمخطوطات، الذي بدأه منذ سنوات طويلة، دفعه إلى تدقيق العديد من الكتب القيمة، لعل أبرزها الأشعار الستة الجاهلية للأصمعي، الذي كان محط رسالة الماجستير الخاصة به، لكنه علاوة على ذلك يحمل شغفًا آخر، لا يقل عن الأول، بالتحف والأنتيكات، التي تمثل في نظره ذاكرة المجتمعات وثقافاتها القديمة. يتنقل بين المزادات والمعارض، يفتش في الأسواق القديمة، ويتبع خيوط الزمن بحثًا عن كل ما هو نادر، وكل قطعة تحمل قصة ترويها. ومن بين هذه الأماكن التي يجوبها بحب لا ينتهي، سوق "ديانا" في القاهرة، الذي يشهد على ذائقة من اختار أن يهب نفسه لحياة لا تنتهي إلا حينما تتقاطع مع التاريخ.
يحاكي الجاليري، بتقسيماته التي استلهمها من طابع أروقة الجامع الأزهر، روح الفنون والتراث في أبسط تفاصيله، ففي أروقة الجاليري تتناثر خيوط من التاريخ، حيث "رواق الكتب" يقدم لجمهوره أمهات الكتب والمخطوطات التي تحمل بين طياتها أسرار العصور، و"رواق النحاس" حيث يعانق المعدن النبيل ذاكرة الحرفيين، و"رواق الصور النادرة" الذي يعرض صور الرؤساء والمشاهير، حاملة معها لحظات تاريخية فاصلة لا يغيب عن الجاليري رواق "متعلقات العلماء والأدباء" الذي يوثق مسيرة المفكرين، و"رواق الفنانين" الذي يحتفظ بعطر الإبداع في كل زاوية.
لا يقتصر الجاليري على كونه مساحة للعرض فقط، بل هو مكان مفتوح للمعرفة، حيث يتيح للطلاب والباحثين من مختلف القرى، وخاصة من قرية منية سمنود في الدقهلية، فرصًا ذهبية للقراءة المجانية في مجموعة متنوعة من الكتب والمراجع، كما يفتح لهم الدكتور يوسف خزائن معرفته الخاصة، ليقدم لهم مشورته العلمية ويأخذ بأيديهم إلى عالم من الأفكار التي قد تضيء دروبهم البحثية، وفي هذا المكان، يصبح العلم سعيًا جماعيًا، يتشارك فيه الجميع على اختلاف درجاتهم العلمية وطموحاتهم.
أما عن هدف الدكتور يوسف من هذا الجاليري، فهو أبعد من الربح المادي، بل هو رسالة تحمل بين طياتها حبًا للحفاظ على التراث الثقافي المصري وتعليم الأجيال القادمة أهمية الحفاظ على هذه الكنوز الثمينة، وإذا كان البعض يرغب في اقتناء التحف القديمة، فإنه يُتاح لهم ذلك بأسعار متواضعة، تشجيعًا لهواة جمع المقتنيات التي تنبض بالحياة والتاريخ.
"جاليري يوسف" هو أكثر من مجرد مكان لعرض التحف أو لشراء المقتنيات القديمة، بل هو شهادة حية على حرص الدكتور يوسف السناري على أن يظل الضوء مسلطًا على التاريخ، ليظل حُلم الحفاظ على ذاكرة مصر حيا في كل قطعة فنية، وفي كل كتاب يُقرأ، وفي كل فكر يُسهم في تشكيل المستقبل.