الجمعة 01 نوفمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

في صباح يوم السابع من أكتوبر استيقظت ووجدت أثناء تصفحي لصفحتي موقع فيس بوك أن حركة حماس أطلقت أكثر من 5000 صاروخ في العمق الإسرائيلي، ولاحظت إهتمام بالغ من الأصدقاء، لأخرج من غرفتي مهرولاً وفتحت شاشة التلفاز لأرى ما الذي يحدث، فكانت أول لقطة شاهدتها هروب كثير من الإسرائيليين في صحراء قاحلة خوفاً من هجوم المقاومة.

الأمر الذي أشعرني بسعادة لم أشعرها من قبل.. أن أرى إسرائيل تصرخ وتستغيث، شعرت بأنه يوم عيد حينما أرى مقاطع سقوط كبار الرتب في جيش الإحتلال بالأسر، فضلاً عن أسر بعض المستوطنين على دراجات نارية المشهد الذي أثار السخرية، فأحدهم كان مبتسماً لم يكن حزيناً، شهدت أحد شوارع مصر توزيع شاب مصري الحلوى على المارة مباركةً بعملية طوفان الأقصى، الكل كان سعيداً بتلك الضربة التي لم يشهدها الكيان الإسرائيلي منذ الضربة المصرية العظيمة ضده في 6 أكتوبر عام 1973، وكل المحللين السياسيين أجمعوا على ذلك.

ورغم الفرحة، كان هناك شعور قوي بالترقب حول كيفية رد الإحتلال الإسرائيلي على هذه الضربة القاسية، وتوقع الغالبية أن يرتكب الإحتلال جرائم حرب، وأن سياسة العقاب الجماعي ستجعل قطاع غزة غير قابل للحياة انتقامًا من الهجوم، إلا أن حاول بعض المحللين طمأنة المشاهدين سواء في فلسطين أو خارجها بأن حركة حماس لديها سيناريو للتعامل مع جميع الاحتمالات، بما في ذلك الرد الإسرائيلي، مما يعني أن حماس وضعت خطة لحماية المدنيين، لأن الإسرائيليين لا يفرقون بين المدنيين وعناصر حماس.

إلا أن ما خشيناه حدث - وما زال يحدث - أصبحنا نرى الإحتلال الإسرائيلي يشن غارات كالمطر على كثير من المباني السكنية لأهالي قطاع غزة، وأصوات المسيرات التابعة للاحتلال لا تتوقف، هذه الأصوات التي تسمعها عبر شاشة التلفاز تشعرك بالذعر، فما بال من يسمعها في واقعه، وأصوات الانفجارات مثل الرعد والبرق، القنابل الضوئية حولت ليل غزة إلى نهار مخيف، العشرات والمئات يسقطون كل يوم ولا أحد ينقذهم، ليتحول السابع من أكتوبر من انتفاضة جديدة إلى نكبة ثانية، فبدلاً من أن نرى الإسرائيليين يتركون أمتعتهم وأماكنهم في تل أبيب، أصبحنا نرى الكثيرين من سكان قطاع غزة يهاجرون من منازلهم المدمَرة إلى أماكن الإيواء ليتكرر مشهد عام 1948.

لعل مستشفى المعمداني على سبيل المثال هو المكان الأكثر أمناً لأنه من المفترض ليس في عُرف الحروب قصف المستشفيات والمراكز الصحية والإنسانية.. لكن إسرائيل لا تعرف ذلك كعادتها وتعلم أن المستشفى يأوي آلاف من المدنيين الذين فقدوا منازلهم، فارتكبت مجزرة هزت العالم أجمع وجعلت الشعوب الغربية تثور وتعلم الوجه القبيح للكيان الغاصب.. قصفت إسرائيل مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر وسقط أكثر من 500 شهيد فلسطيني في لحظة واحدة.

وهو الأمر الذي أثار قلق إسرائيل من ردود فعل المجتمع المدني لتكذب وتقول إن حركة حماس والجهاد هي من قصفت مستشفى المعمداني وليست هي، وفي اليوم التالي ذهب جو بايدن كأول رئيس أمريكي يزور إسرائيل في وقت حرب ليطمئن النتنياهو بأنه لن يحدث شيء بل يعطيه الضوء الأخضر من أجل استكمال المجازر.

بعد صفقة الهدنة في نوفمبر بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس لتبادل الأسرى، أدرك الإسرائيليون أن الحل الوحيد لاستعادة ذويهم هو إنهاء الحرب على غزة، وليس الضغط العسكري الذي يؤدي إلى فقدان الأسرى، إلا أن نتنياهو  قام بخرق الهدنة، لتخرج عائلات الأسرى والملايين في الشوارع الإسرائيلية مطالبة بإسقاطه، وسط تزايد الانتقادات له بسبب فشله الأمني وقضايا الفساد واهتمامه بمستقبله السياسي على حساب الأمانة.

ولذلك نجد أنه بعد أي تقدم نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة  بوساطة مصرية وقطرية وموافقة حماس على وقف القتال، نفاجأ بمجزرة بشعة ضد المدنيين أطفال ونساء وشيوخ تصل بنية محاولة عرقلة خطوة نحو وقف الحرب، ثم يتهم النتنياهو غيره بأنه هو من عرقل صفقة التبادل.

الأمر الذي أثار غضب الجميع الفلسطيني والإسرائيلي في آن واحد نظراً إلى أن هذه الحرب أصبحت خسارة على الطرفين، ولم يستفد بها أحد حتى سوى شخص واحد يفكر في نفسه ومستقبله الفردي بعيدا عن المصلحة العامة للكيان، أصبح أمنه الوحيد مرتبط بإشعال المنطقة، فإن هدأت سيضيع ويصبح في كماشة بين الشعب الفلسطيني والإسرائيلي، الجميع يريد نهايته لأن هذه الحرب لم ينتصر فيها أحد.

وها قد مضى عام على بدء الحلم الجميل تحول إلى كابوس بشع، طال قطاع غزة ليصبح غير قابل للحياة على يد لا يستحقها، ثم يمتد الكابوس إلى سويسرا الشرق لبنان، أزمات متتالية، الصراعات المستمرة بالمنطقة، والفقدان والدمار يتركان أثرهما العميق في النفوس، ومن الصعب تخيل متى ستنتهي هذه الأزمات، لكن الأمل في الله سبحانه وتعالى يبقى قائماً رغم كل الصعوبات

تم نسخ الرابط