الإمام الأكبر أحمد الطيب.. رحلة من قرية القرنة إلى مشيخة الأزهر
الإمام الأكبر أحمد الطيب.. يعتبر الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أحد أبرز العلماء في العالم الإسلامي الذين جمعوا بين العلم الغزير والحكمة العميقة.
ومنذ توليه مشيخة الأزهر في 2010، استطاع أن يعيد للأزهر الشريف مكانته كمصدر رئيسي للعلم الوسطي المعتدل في العالم الإسلامي، ورغم مكانته الرفيعة، ظل الشيخ الطيب حريصًا على التواصل مع القضايا الاجتماعية والوطنية، مساهمًا في بناء خطاب ديني يعزز من قيم التسامح والاعتدال.
نشأة شيخ الأزهر الشريف
في السادس من يناير 1946، شهدت قرية القرنة في صعيد مصر ولادة طفل أصبح واحدًا من أبرز العلماء في العالم الإسلامي، وكُتب اسمه في تاريخ الأزهر الشريف.
لم يكن والد الشيخ أحمد الطيب، العالم الأزهري محمد أحمد الطيب، يدرك حينها أن ابنه، الذي أطلق عليه اسم "أحمد"، سيصعد إلى أرفع المناصب العلمية والدينية في مصر والعالم الإسلامي ليصبح الإمام الـ 48 للأزهر الشريف.
ورغم مكانته الكبيرة اليوم، ظل الشيخ أحمد الطيب مرتبطًا بجذوره في قريته، حيث ظل الرجل الذي لا تنقطع صلته بمحيطه الاجتماعي رغم انشغاله بالمهام الرسمية.
بداية النبوغ العلمي
ترعرع الدكتور أحمد الطيب في كنف أسرة علمية محافظة، وكان والده يحلم أن يصبح ابنه من علماء الأزهر، وهو ما تحقق بالفعل، إذ أظهر الطيب نبوغه منذ مراحل مبكرة من دراسته.
وبدأ مشواره التعليمي في الأزهر، حيث التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة، ثم واصل دراسته العليا ليحصل على الماجستير والدكتوراه، ولم يقتصر سعيه على التعليم المحلي، بل استكمل دراسته في جامعة السوربون بفرنسا، مما ساهم في توسيع أفقه العلمي والثقافي، وجعل منه شخصية ذات طابع عالمي في عالم الفكر والدعوة الإسلامية.
المناصب التي شغلها الطيب في مسيرته
تدرج الشيخ أحمد الطيب في المناصب الأكاديمية والإدارية في الأزهر، ليصل إلى منصب مفتي الديار المصرية، حيث قدم فتوى شاملة في قضايا تهم المجتمع المصري، ولم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل واصل مسيرته العلمية والإدارية ليشغل منصب رئيس جامعة الأزهر. وفي 19 مارس 2010، صدر قرار رئاسي بتعيينه شيخًا للأزهر خلفًا للإمام الراحل محمد سيد طنطاوي.
حياة الشيخ الطيب
على الرغم من تقلده العديد من المناصب الرفيعة في مصر، حافظ الشيخ الطيب على حياته البسيطة، فهو لا يزال يقيم في شقته بالقاهرة بمفرده، بينما تعيش أسرته في قرية القرنة بالأقصر، ويحرص على زيارة قريته بشكل دوري، حيث يقيم فيها لمدة ثلاثة أيام كل أسبوعين أو ثلاثة.
ساحات الطيب.. ملتقى الناس والأعمال الخيرية
يمتلك الشيخ أحمد الطيب ساحة الطيب في الأقصر، وهي ساحة تابعة لعائلته، تجمع بين أبناء القرية والقرى المجاورة.
وتعتبر هذه الساحة مركزًا للحوار الاجتماعي وحل النزاعات العائلية، حيث يمارس الشيخ دوره كمحكم عرفي في تسوية الخلافات بين العائلات، كما تحتضن الساحة العديد من الفعاليات الاجتماعية والدينية، وتستقبل الزوار من كافة أنحاء مصر والعالم.
وفي القاهرة، يمتلك الشيخ الطيب ساحة أخرى هي جزء من عمل شقيقه الشيخ محمد الطيب، شيخ الطريقة الصوفية، التي تقدم خدمات متعددة للمجتمع، مثل استضافة الفتيات اليتيمات وعلاج المرضى، فضلاً عن تقديم الدعم المالي للغارمات وتوفير الخدمات الاجتماعية للمحتاجين، وتشرف جمعية خيرية تابعة لهذه الساحة على هذه الأعمال وتعمل على تقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين.
تقشفه وزهده
ورغم المكانة الرفيعة التي بلغها الشيخ الطيب، فإنه يظل متقشفًا وزاهدًا في الأموال والمناصب، فهو لا يتقاضى راتبًا عن منصبه كشيخ للأزهر، مؤكدًا أن خدمته للإسلام لا تتطلب أجرًا إلا من الله.
كما تنازل عن العديد من المخصصات المالية، وخصص الكثير من هذه الأموال لدعم مشروعات خيرية، مثل تعويض ضحايا الإرهاب وتقديم المساعدات للمتضررين من السيول والكوارث الطبيعية.
تجديد الخطاب الديني
كان شيخ الأزهر من أوائل الذين دعوا إلى تجديد الخطاب الديني، من خلال التأكيد على وسطية الإسلام و اعتداله، دون المساس بثوابته.
وقدم العديد من المبادرات التي سعت إلى تعريف العالم بمعاني الإسلام الحقيقية بعيدًا عن التطرف، كما اهتم بشكل خاص بموضوع التعريف بالإسلام في الغرب، ودعا إلى نشر فكر إسلامي معتدل يساهم في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في الإعلام الغربي.