بالوراثة.. العم فايق أشهر رسامي البردي في خان الخليلي| صور
في قلب وادي النيل، حيث تلتقي المياه المحملة بخيرات الطمي بضفاف الأرض الطيبة، نبتت شجرة البردي لتحمل أسرار الحياة، فاستطاعت أوراقها، التي تنبض بالحياة في كل لمسة، أن تأتي بحل لغز واحدة من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان، والتي ما زالت تشهد على عبقرية القدماء وتفاصيل حضارتهم العظيمة.
بين روافد دروب شارع "خان الخليلي"، الذي يفتح ذراعيه على حي المعز، يشق قلب القاهرة الفاطمية، تتداخل قصص التاريخ وتبوح بحكايات الحرب والأمل، والراحلين والأبطال التي تنعكس على أزقته، وعلى إحدى نواصيه العتيقة يقبع واحد من مقاصد أقدم صناعة عرفها الإنسان "ورق البردي".
يجلس على كرسي وثير إلى طاولة أنيقة يعد إحدى ورقات البردي بعد تصميمها وتلوينها استعدادًا لمرحلة البروزة مستعينًا بأدوات دقيقة تشبه مبضع الجراح، يوازن حشايا الورق ويدس أطرافه بين جانبي الإطار الزجاجي بدقة فائقة تناهز طبيب سقطت عدسات نظارته على أنفه المعقوف فلم يعيرها اهتمامًا.
تفرد "فايق الحجراتي"، بعشق ورق البردي بعد أن رأي فيها مرآة تعكس روح الحضارة المصرية القديمة، تلك الأوراق التي صنعها الفراعنة بأيدٍ مهرة، ولا تزال شاهدة على قدرة الإنسان في تحويل البساطة إلى أوراق خالدة.
خرج عن "جلباب" أبيه وجده، أشهر "جواهرجية" الحسين والصاغة ليلبي فروض هوى البردي منذ ما يناهز النصف قرن من الزمان، يستقبل عم فايق ورق البردي بعد تقطيع سيقانه وتحويلها إلى شرائح رقيقة تفرد في الماء ثم تضغط تحت مكبس كبير لتكتسب صلابة من تلقاء نفسها مستعينة بمادة الغراء الطبيعي التي حباها الله بها، لتبدأ مرحلة الإبداع على الورق ورسمه بأزهى الألوان.
يبدأ الرسم التقليدي على البردي عبر وضع "سلك سكرين" أو شبلونة على الورق لرسم الخطوط الخارجية للوحة المطلوبة ثم تلوينها بالاستعانة بمكن خاص للتلوين على البردي، فيما يستأثر النوع اليدوي الآخر بأنامل عم فايق الذهبية التي تضع لمساتها عليه بداية من تحت اللوحة خارجيًا وحتى تلوينها باستخدام ألوان جواش ودوكو خفيف وألوان دهبيات ودرجات الأبيض والأسود.
تتباين الأذواق ما بين عشاق لوحات البردي المصنعة على المكن والأخرى اليدوية بالكامل، وفيما يمكن لورش عم فايق أن تنتج 300 ورقة في اليوم من النوع الأول، تظل اللوحات اليدوية بالكامل أسيرة اجتهاد الإبداع البشري فلا تكتمل أركانها الجمالية قبل 3 أو 4 أيام، وهو ما يفسر ارتفاع ثمنها الذي يمكن أن يناهز الـ 3 آلاف جنيه، أما التقليدية فيبدأ سعر ورقة البردي المرسومة بالمكن من 20 جنيه فقط.